كتب طارق أبو زينب في "نداء الوطن":
بعد استهداف غارة إسرائيلية الأمين العام لـ "حزب اللّه"، السيد حسن نصراللّه، ما أسفر عن وفاته برفقة عدد من القيادات، اهتزّ "الحزب" بشكل غير مسبوق. كان نصراللّه شخصية محورية، والعقل المدبّر لـ "الحزب" الذي نجح في صياغة استراتيجياته وتعزيز حضوره على الساحة المحلية والإقليمية. وشكّلت خسارته ضربة موجعة تجاوزت التأثير الداخلي لتطول التحوّلات الإقليمية الكبرى. ووضعت هذه الحادثة "الحزب" أمام تحدّيات وجودية قد تعيد تشكيل مستقبله، وبخاصة في ظل تنامي التهديدات الإسرائيلية والضغوط الغربية على محوريته الإقليمية.
تحديات القيادة والفراغ القيادي
مع غياب نصراللّه، وجد "حزب اللّه" نفسه أمام فراغ قيادي غير مسبوق، ما زاد من تعقيد التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها. وفي محاولة سريعة لاحتواء الوضع والحفاظ على وحدة الصف الداخلي، أعلن "الحزب" عن تعيين الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً جديداً، والنائب محمد رعد نائباً له. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة لم تكن كافية لتبديد القلق بشأن التحديات القائمة.
إن غياب نصراللّه يمثل خسارة لقيادة تمتلك القدرة على توحيد مختلف الأجنحة داخل "الحزب" وفرض حضور مؤثر على الساحتين اللبنانية والإقليمية. وخلق هذا الفراغ حالة من التوتر الداخلي بين الأجنحة السياسية والعسكرية، ما قد يدفع "الحزب" إلى إعادة النظر في استراتيجياته التقليدية للتكيف مع المتغيّرات الإقليمية المتسارعة. في ظل هذه الظروف، يواجه "الحزب" اختباراً صعباً للحفاظ على دوره وموقعه في المشهد السياسي.
محمد مهدي حسن نصراللّه
في هذا السياق، بدأت بعض المصادر المقرّبة من "حزب اللّه" تشير إلى أن السيد محمد مهدي نصراللّه، نجل الأمين العام الراحل، قد يكون المرشح الأبرز لقيادة "الحزب" في المستقبل. وتحظى فكرة تولّي محمد مهدي القيادة بدعم قوي من إيران، التي ترى فيه امتداداً طبيعياً لنهج "الحزب" ورؤيته الإقليمية. فإيران تعتبر أن محمد مهدي هو الشخصية القادرة على توحيد "الحزب" تحت لواء رؤية جيوسياسية تواكب التغيّرات المتسارعة في المنطقة. ويبدو أن إيران تعمل على تعزيز مكانته من خلال خطوات عملية، مثل تكريمه من قبل المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، الذي منحه عمامة والده وخاتماً دينياً، ما يعدّ رسالة قوية عن نية إيران في دعمه كخليفة محتمل.
ولد محمد مهدي عام 1997، ويقيم حالياً في مدينة قم الإيرانية حيث يتابع دراسته الدينية ويخضع لبرنامج تدريبي مكثف تحت إشراف خبراء إيرانيين. وتسعى إيران إلى تأهيله ليكون قادراً على تحمّل المسؤوليات المستقبلية في "الحزب"، سواء على الصعيد الفكري أم العسكري، لجبه التحدّيات التي قد يواجهها "الحزب" على الصعيدين الداخلي والإقليمي. وعلى الرغم من صغر سنه، إلّا أن محمد مهدي يظهر كقوة شابة واعدة قد تكون قادرة على استعادة رؤية نصراللّه الأب وتوجيه "الحزب" نحو المستقبل.
ويُلاحظ التشابه الكبير بين محمد مهدي ووالده. ليس فقط في الملامح الخارجية، بل أيضاً في الكاريزما السياسية والقدرة على التأثير في الأجيال الشابة داخل "الحزب". وتجعل هذه الخصائص من محمد مهدي شخصية ذات تأثير كبير داخل التنظيم. ويرى كثير من أفراد "الحزب" في هذا التغيير فرصة لتجديد الدماء في القيادة مع الحفاظ على الخط السياسي الثابت الذي رسمه نصراللّه.
إعادة هيكلة "الحزب"
وتعتبر مصادر مقرّبة من "حزب اللّه" أن المرحلة الراهنة تشكّل منعطفاً حاسماً في مسيرة "الحزب". فعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها، مثل إعادة هيكلة قيادته التقليدية، برزت معارضة متصاعدة من داخل البيئة الحاضنة لـ "الحزب"، خصوصاً بين الأجيال الشابة، التي أبدت تحفظاتها على تعيين الشيخ نعيم قاسم في منصب الأمين العام. كما أن التغييرات الإقليمية تفرض ضغوطاً إضافية، ما يجعل الدور الإقليمي لـ "الحزب" عرضة للتحديات المستمرّة.
وأوضحت المصادر أنه إذا تمكّن محمد مهدي حسن نصراللّه في المستقبل القريب من احتواء الانقسامات الداخلية وتعزيز وحدة الصفوف، مع تحسين الحضور المحلي وتغيير الصورة النمطية المرتبطة بـ "الحزب"، فقد يتمكن هذا الأخير من تجاوز أزمته الحالية بمزيد من القوة والتماسك. ومع ذلك، يبقى نجاح هذه الجهود مرهوناً بقدرته على معالجة التحديات الداخلية والخارجية، وبتحقيق توافق داخلي يحافظ على استمرارية الرؤية الاستراتيجية التي وضع أسسها حسن نصراللّه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك