كتب الدكتور حسان فلحه المدير العام لوزارة الإعلام في صحيفة "النهار":
يتفنن أهل هذه الأمة الورعة في كتابة ذاكرتهم وتدوين سجلاتهم بحروف جالسة على سطور متعرجة، حاملين على ذممهم الفارعة الطول مبدأي المغالاة حيناً والتورية في أغلب الأحيان، يسقطون ما برز منها وما غاب وفق غب النسب لا على معيار الحسب.
لم يلتفتوا إلى السلف إلا على نقيصة النظر أو ساقطة الزمن. لماذا لا يعيرون جميلا لكتبة المعرفة الأولى السومرية ولا يستذكرون دوران العالم على الدولاب الأشوري ولا الزراعة الأولى في مهد الإنسانية في بلاد ما بين النهرين، والمحيط والخليج؟ يأنفون من حضارة "استقرار المكان" الفرعونية، ويستنكفون سريان "الحروف الساكنة" الفينيقية .
لقد قتلوا سبط نبيهم غيلة على مدار الزمن من دون أن يرتد جفن أو يرف نبض .
ليس مستغربا إن فات رواة بعض العرب أن يشيروا يوما إلى أن طارق بن زياد مات متسولا على أبواب المسجد الأموي في دمشق، لم ينافسه في هذه الموتة سوءةً إلا غريمه إلى المجد الأندلسي السليب موسى بن نصير الذي عزل في نهاية حياته، وتاه شريدا بشعاب "وادي القرى"، يتوسل سد رمقه الأخير بعدما أنكره عليه بنو أمية، متحسرا عاتبا، "ما هذا بلائي وقدر جزائي".
تتعبهم شعاراتهم البراقة حد الذهول من عبور بارقة الأمل على أطراف حديثهم المنسي من سرد الحقائق .
إن الصراع العربي – الإسرائيلي، على ريبة التسمية وانفلات المعنى عن انضباط المبنى، يذوي من شمولية التزام صياغة الشعار بين هؤلاء المتقلبين على سنن التوافق، المتمسكين بعروة التشرذم إلى الاستفراد الحصري في ترك الحال لأهل الحال. هو صراع لم تسعف إيدلوجيته ليكون دينيا عربيا لانتفاء الحاجة إلى إشراك الدين في شؤون السياسية الوطنية التى لا تأخذ من المكان معيارا للانتماء صوب الفكر الاعتقادي الذي يترفع فوق مثاليات عليا لا تحوط بها قطرية الأوطان، ولا تسعفها الحدود المكانية كعوامل دفع في اتجاه عدم حصر الذات بعيدا من الماورائيات الشديدة التقلص، على سلفيات لا تقبل سبل المراجعة، وأحيانا المناقشة .
وهذا حال القضية الفلسطينية التى لا ينظر إليها البعض على أنها ذات شأن وطني أو اعتبار قومي، إنما هي ثانوية المكان في ترتيب أولويات "الاهتمام الديني"، حتى انها لا تذكر باسمها (فلسطين)، إضافة إلى كونها غير داخلة عند معظم الجماعات السلفية الدينية في نطاق الإيديولوجيا، التي لا تتجانس مع الموضوعية المرادفة للإبلاغ المطلق عن الحقائق، وهذا ارتياب مشروع عند أصحابه من حماة هذا الفكر الديني المناكف غالبا للقومية ببعدها المكاني وحدّها الجغرافي.
لقد سقطت هذه الأمة على حد السيف ولم يعثر لها على راية مرفوعة إلا قُتل صاحبها... عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)، الذي قَتَل أبناءُ عمومته العباسيون أخاه أمام ناظريه وهو يعبر النهر هاربا من دمشق قبل أن يقيم مملكته في الأندلس، لم يسلم من الغدر والطعن، وأن يُقْتل ابنُه البكر سليمان على يد حفيده ابن هشام، ليستعير بعده التاريخ دوما، قول هارون الرشيد مخاطبا ابنه المأمون، "يا بني إن المُلْك عقيم، واللهِ لو نازعتني عليه لقطعت الذي فيه عيناك".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك