ثلاثة فقط اعتقدوا جدّياً أنّ الوزير السابق محمد الصفدي قد يدخل نادي رؤساء الحكومات: رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، والصفدي نفسه. أما بقية القوى السياسية، لا سيما تلك التي تتحكّم بطبخة الحكومة، فجاروهم الخطوة وهم واثقون أنّها سرعان ما ستحترق.
العلّة لا تكمن في الوزير الطرابلسي، وإنما في الظروف التي جعلت من رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري حاجة ملحة لخصومه، وتحديداً لـ"حزب الله"، وإدراك الأول موقعه ما سمح له بممارسة كل طقوس تغيير المعادلات، وذلك في لحظة متغيّرات كبيرة في المزاج العام اللبناني، لم يحسب لها "الحزب" حساباً، ولو أنّ مؤشراتها كانت جلية للعيان سواء من خلال صناديق الانتخابات أو من خلال أرقام التدهور الاقتصادي والمالي.
وعليه، بات من الصعب على أي سنيّ آخر تجاوز الحريري في هذه اللحظة المصيرية أو إحالته إلى نادي التقاعد المبكر، في ضوء الأزمة المالية الخانقة التي جعلت من رئيس "تيار المستقبل" ممراً إلزامياً لأي معالجة ممكنة، والمؤتمن على حسابات القروض الخارجية وأرقامها.
الأهم من ذلك كله يكمن في المغزى السياسي لعودة الحريري على حصان "زعامة" لم يبذل أي مجهود لاستعادتها. اذ تشي تطورات الحراك الشعبي بعد أكثر من شهر على نشوئه، أنّ الحكومة العتيدة لن تولد إلا اذا كرّست توازناً جديداً في السلطة التنفيذية، يطيح بالتوازن الذي هندسته نتائج الانتخابات النيابية حين وضعت الأغلبية النيابية، وتالياً الحكومية، في قبضة قوى الثامن من آذار. وبما أنّ كسر الأغلبية النيايبة صعب في هذه اللحظة، أو بالأحرى مستحيل، فإنّ كسرها في الحكومة بات بيد الحريري حصراً.
تحت عنوان انقلاب الشارع على كامل الطبقة السياسية ونبذه للوجوه الوزارية التقليدية، يحاول الحريري توسيع هامش نفوذه على طاولة مجلس الوزراء من خلال تقليص حضور شركائه ممن هم من القماشة التقليدية لمصلحة "شركائه الجدد" من نوعية التكنوقراط.
هكذا، ثمة محاولة جدية للانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع من خلال تأليف حكومة تتماهى مع مزاج الشارع المنقلب على خياراته النيابية، وتسمية وزراء "يخلعون" الحقبة الماضية ويدشّنون حقبة جديدة عنوانها "الإصلاح" على يد أصحاب الاختصاص... ولو أنّ رئيسهم سيكون من "سلالة" التقليديين.
ولهذه الأسباب مجتمعة، ما كان بالإمكان أن يمرّ خيار محمد الصفدي بسلام، وطالما أنّ الثنائي الشيعي يزكّي خيار الحريري على غيره لإدراكه أنّ قواعد المرحلة المقبلة باتت معلّقة، لا بدّ من إعادة صياغة قواعد جديدة ستعكسها تركيبة الحكومة العتيدة، وأوزانها.
ولما انتهى مسعى ترئيس الصفدي، بعد انكشاف حقيقة المناورة التي قادها الحريري، كما يرى العونيون، يسود الاعتقاد لدى المحيطين برئيس الجمهورية أنّ العودة إلى مربع الحريري، الأول، شرّ لا بدّ منه. وعليه، بات لدى فريق الرئيس قناعة بضرورة إعادة الكرة إلى ملعب رئيس الحكومة المستقيلة لكشف حقيقة نواياه، وما اذا كان موّال العودة إلى رئاسة الحكومة جدّياً في ذهنه، أم أنّه يلعب دوراً تعطيلياً في سبيل تغطية مشروع مشبوه.
عملياً، يعرف رئيس الجمهورية كما المحيطون به، أنّ الوقت ليس في مصلحتهم وما شهده العهد من ضغط شعبي، بلغ حدود بواباته الرئاسية ليس تفصيلاً بسيطاً، وضمّه إلى حملة "كلن يعني كلن" لا يجوز التعاطي معه كأنه لم يكن. ولذا لا بدّ، أقله من الحدّ من الخسائر وتطويقها قبل فوات الأوان. الأضرار أضحت جسيمة، وبات من الضروري القيام بخطوات انقاذية، لأنّ العهد برمّته على المحك. بهذا المعنى، تصبح العودة إلى دفتر شروط الحريري، ضرورية. وأبرز ما في هذا "الدفتر" هو إخراج صقور الحكومة المستقيلة، وفي طليعتهم جبران باسيل. الأخير يبلغ ملتقيه أنّه صار خارج التداول الوزاري، لكنه يتصرف عكس ذلك، كما يقول المطلعون على حركة المشاورات الحكومية. وجلّ ما فُهم من مشروع ترئيس الصفدي، هو تكريس معادلة "الخروج سوياً" من الحكومة لأنّ باسيل يعتبر أنّ تحميله وحده وزر الشارع سيساهم في تشويه صورته، ولذا يسعى إلى "تعميم" هذا "الثمن".الاعتبارات التي تدفع رئيس "المستقبل" إلى التمسّك بشروطه، كثيرة، منها ما هو شخصي متصل بالعلاقة الثنائية مع وزير الخارجية، ومنها ما هو مرتبط بعقد الوزراء الصقور. فعودة باسيل تعني عودة كل من هو من "الرتبة" ذاتها، ومنها ما هو مرتبط بالهامش الذي يطالب به الحريري ليكون مرتاحاً في أدائه الحكومي.
وهذا ما يفسّر تكثيف الاتصالات خلال الساعات الأخيرة بحثاً عن مخرج تفاهمي يعيد الاستقرار إلى السلطة التنفيذية. وهذه المرة على أساس عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة. يتردد أنّ مسودة حكومية تكنو - سياسية تضمّ 18 وزيراً، 6 بينهم من اللون السياسي، أعيد إحياؤها لتكون ورقة نقاش بين الكتل الأساسية، وتحديداً بين الثنائي الشيعي وبعبدا وبيت الوسط، خصوصاً أنّ "الخليلين" (علي حسن خليل وحسين الخليل) سبق لهما أن ناقشا هذه المسودة مع رئيس الحكومة المستقيلة، وكان التفاهم بينهم شبه منجز.
العلّة لا تكمن في الوزير الطرابلسي، وإنما في الظروف التي جعلت من رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري حاجة ملحة لخصومه، وتحديداً لـ"حزب الله"، وإدراك الأول موقعه ما سمح له بممارسة كل طقوس تغيير المعادلات، وذلك في لحظة متغيّرات كبيرة في المزاج العام اللبناني، لم يحسب لها "الحزب" حساباً، ولو أنّ مؤشراتها كانت جلية للعيان سواء من خلال صناديق الانتخابات أو من خلال أرقام التدهور الاقتصادي والمالي.
وعليه، بات من الصعب على أي سنيّ آخر تجاوز الحريري في هذه اللحظة المصيرية أو إحالته إلى نادي التقاعد المبكر، في ضوء الأزمة المالية الخانقة التي جعلت من رئيس "تيار المستقبل" ممراً إلزامياً لأي معالجة ممكنة، والمؤتمن على حسابات القروض الخارجية وأرقامها.
الأهم من ذلك كله يكمن في المغزى السياسي لعودة الحريري على حصان "زعامة" لم يبذل أي مجهود لاستعادتها. اذ تشي تطورات الحراك الشعبي بعد أكثر من شهر على نشوئه، أنّ الحكومة العتيدة لن تولد إلا اذا كرّست توازناً جديداً في السلطة التنفيذية، يطيح بالتوازن الذي هندسته نتائج الانتخابات النيابية حين وضعت الأغلبية النيابية، وتالياً الحكومية، في قبضة قوى الثامن من آذار. وبما أنّ كسر الأغلبية النيايبة صعب في هذه اللحظة، أو بالأحرى مستحيل، فإنّ كسرها في الحكومة بات بيد الحريري حصراً.
تحت عنوان انقلاب الشارع على كامل الطبقة السياسية ونبذه للوجوه الوزارية التقليدية، يحاول الحريري توسيع هامش نفوذه على طاولة مجلس الوزراء من خلال تقليص حضور شركائه ممن هم من القماشة التقليدية لمصلحة "شركائه الجدد" من نوعية التكنوقراط.
هكذا، ثمة محاولة جدية للانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع من خلال تأليف حكومة تتماهى مع مزاج الشارع المنقلب على خياراته النيابية، وتسمية وزراء "يخلعون" الحقبة الماضية ويدشّنون حقبة جديدة عنوانها "الإصلاح" على يد أصحاب الاختصاص... ولو أنّ رئيسهم سيكون من "سلالة" التقليديين.
ولهذه الأسباب مجتمعة، ما كان بالإمكان أن يمرّ خيار محمد الصفدي بسلام، وطالما أنّ الثنائي الشيعي يزكّي خيار الحريري على غيره لإدراكه أنّ قواعد المرحلة المقبلة باتت معلّقة، لا بدّ من إعادة صياغة قواعد جديدة ستعكسها تركيبة الحكومة العتيدة، وأوزانها.
ولما انتهى مسعى ترئيس الصفدي، بعد انكشاف حقيقة المناورة التي قادها الحريري، كما يرى العونيون، يسود الاعتقاد لدى المحيطين برئيس الجمهورية أنّ العودة إلى مربع الحريري، الأول، شرّ لا بدّ منه. وعليه، بات لدى فريق الرئيس قناعة بضرورة إعادة الكرة إلى ملعب رئيس الحكومة المستقيلة لكشف حقيقة نواياه، وما اذا كان موّال العودة إلى رئاسة الحكومة جدّياً في ذهنه، أم أنّه يلعب دوراً تعطيلياً في سبيل تغطية مشروع مشبوه.
عملياً، يعرف رئيس الجمهورية كما المحيطون به، أنّ الوقت ليس في مصلحتهم وما شهده العهد من ضغط شعبي، بلغ حدود بواباته الرئاسية ليس تفصيلاً بسيطاً، وضمّه إلى حملة "كلن يعني كلن" لا يجوز التعاطي معه كأنه لم يكن. ولذا لا بدّ، أقله من الحدّ من الخسائر وتطويقها قبل فوات الأوان. الأضرار أضحت جسيمة، وبات من الضروري القيام بخطوات انقاذية، لأنّ العهد برمّته على المحك. بهذا المعنى، تصبح العودة إلى دفتر شروط الحريري، ضرورية. وأبرز ما في هذا "الدفتر" هو إخراج صقور الحكومة المستقيلة، وفي طليعتهم جبران باسيل. الأخير يبلغ ملتقيه أنّه صار خارج التداول الوزاري، لكنه يتصرف عكس ذلك، كما يقول المطلعون على حركة المشاورات الحكومية. وجلّ ما فُهم من مشروع ترئيس الصفدي، هو تكريس معادلة "الخروج سوياً" من الحكومة لأنّ باسيل يعتبر أنّ تحميله وحده وزر الشارع سيساهم في تشويه صورته، ولذا يسعى إلى "تعميم" هذا "الثمن".الاعتبارات التي تدفع رئيس "المستقبل" إلى التمسّك بشروطه، كثيرة، منها ما هو شخصي متصل بالعلاقة الثنائية مع وزير الخارجية، ومنها ما هو مرتبط بعقد الوزراء الصقور. فعودة باسيل تعني عودة كل من هو من "الرتبة" ذاتها، ومنها ما هو مرتبط بالهامش الذي يطالب به الحريري ليكون مرتاحاً في أدائه الحكومي.
وهذا ما يفسّر تكثيف الاتصالات خلال الساعات الأخيرة بحثاً عن مخرج تفاهمي يعيد الاستقرار إلى السلطة التنفيذية. وهذه المرة على أساس عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة. يتردد أنّ مسودة حكومية تكنو - سياسية تضمّ 18 وزيراً، 6 بينهم من اللون السياسي، أعيد إحياؤها لتكون ورقة نقاش بين الكتل الأساسية، وتحديداً بين الثنائي الشيعي وبعبدا وبيت الوسط، خصوصاً أنّ "الخليلين" (علي حسن خليل وحسين الخليل) سبق لهما أن ناقشا هذه المسودة مع رئيس الحكومة المستقيلة، وكان التفاهم بينهم شبه منجز.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك