10 أيام مرّت على استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وبالتالي استقالة حكومته، تحت ضغط الشارع الذي يُطالب بتغيير السلطة الحاكمة، أملاً في تغيير مصير البلد وناسه. 10 أيام و«انتفاضة 17 تشرين الأول» مستمرة والبلد مُعطَّل. 10 أيام تفاقمت خلالها مخاطر الانهيار المالي - الاقتصادي الشامل، وازداد عدد الشركات والمؤسسات المُفلسة ونسبة الصرف من العمل والبطالة والفقر. 10 أيام صدرت خلالها تقارير مالية وتحذيرات دولية تُنبئ باقتراب السقوط، ما لم تُؤلّف «حكومة ثقة» سريعاً.
على رغم كلّ المعطيات الخطيرة، إلّا أنّ موعد إجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتكليف من يؤلّف الحكومة ويترأسها، لم يُحدّد الى الآن، فيما أنّ الوضع الراهن يفترض ويفرض إجراء الاستشارات والتكليف والتأليف «في يوم وليلة»، مثلما جرى تأليف حكومات سابقة في ظلّ ظروف دقيقة ومصيرية، بحسب ما يقول معنيون.
من مهازل السلطة المتعاقبة، تحميلها «اتفاق الطائف» الذي لم تُطبّقه، وِزر تقصيرها وسوء إدارتها وخلافات مكوّناتها. هذا الاتفاق الذي أُقرّ عام 1989، والذي عُدّل الدستور على أساسه، خُرق مراراً وتكراراً على صعيد المسارات والاستحقاقات والصلاحيات والحُكم والإدارة والفصل بين السلطات وعمل المؤسسات والمحاسبة... ولم يُطبّق كاملاً إلى الآن، لا لناحية تحقيق اللامركزية الإدارية ولا لجهة إلغاء الطائفية السياسية، ولا لجهة بسط سيادة الدولة على كلّ الأراضي اللبنانية بقواها الذاتية وحلّ جميع التنظيمات المُسلّحة، اللبنانية وغير اللبنانية، وحصر السلاح في يد الشرعية. وفي حين خرق المسؤولون الدستور تحت حجج وعناوين عدة: تقليص الصلاحيات، الغموض، التفسيرات والاجتهادات والأعراف، التوازنات، الوحدة الوطنية... ينصّ «اتفاق الطائف» على كلّ ما يُطالب به «ثوّار 17 تشرين الأول» على صعيد بناء دولة القانون. ولا شكّ في أنّ خرق الدستور الفاضح وعدم تطبيقه كاملاً لنحو 30 سنة، كفيل وحده بفقدان الشعب الثقة بهذه السلطة والسعي الى إسقاطها وتغييرها.
دستورياً، لا نص يحدّد مهلة لرئيس الجمهورية لبدء الاستشارات النيابية ولا مهلة لإنهائها، كذلك لا نصّ يحدّد مهلة للتكليف أو للتأليف، ما أدّى إلى تأخّر ولادة عدد من حكومات ما بعد «الطائف» لأشهر عدة، لاسيما منها حكومات ما بعد 2005. فهل يُعتبر عدم تحديد هذه المُهل «غَفلة» دستورية؟
يوضح المرجع الدستوري الوزير والنائب السابق إدمون رزق، الذي شارك في صَوغ «اتفاق الطائف»، لـ»الجمهورية»، «أننا لم نحدّد مهلاً لهذا المسار لأننا افترضنا أنّ الأمور البديهية لا تحتاج الى فَرض، إذ إنّ مناقبية الحكم وحسّ المسؤولية يجب أن يحكما التصرفات والأداء. ولم يفترض المُشرّع أنّ أحداً من المسؤولين سيعمد الى تضييع الوقت، خصوصاً في الأزمات».
ويرى «أنّه انطلاقاً من متطلبات اللحظة، لا يجوز أن يبقى البلد محكوماً من حكومة تصريف أعمال، والمطلوب في هذه المرحلة الدقيقة والمُلحّة المبادرة الى إجراء الخطوات البديهية، أي بدء الاستشارات النيابية، ثمّ التكليف والتأليف، وإلّا فإنّ التأخير يُعتبر إعلاناً لعجز الحكم وإفلاسه مع كلّ الطواقم السياسية المُستَنسخة منذ 1992».
وعن الجدل بين من يعتبر أنّ من صلاحية رئيس الجمهورية إجراء مشاورات قبل الاستشارات النيابية، وبين من يعتبر هذا التصرف تعدياً على صلاحيات رئيس الحكومة في التأليف، يقول رزق: «إنّ رئيس الجمهورية يُمكنه إجراء مشاورات وحوارات ولقاءات يومياً، لكن لا يُمكنه تأخير أيّ مسار دستوري في وَضع مُلحّ، وعليه أن يتصرّف من وَحي اللحظة والمرحلة. والمشاورات تبقى في الكواليس ونتائجها غير مُلزمة لأحد، فهي نوع من استطلاع الرأي، فيما أنّ نتائج الاستشارات النيابية هي المُلزمة للرئيس».
أمّا تعديل الصلاحية الدستورية التي تخوّل رئيس الجمهورية تكليف من يراه مناسباً لترؤس الحكومة، لتُصبح الاستشارات النيابية ونتائجها مُلزمة حسب «اتفاق الطائف»، فمردّه الى أنّ النظام اللبناني برلماني وليس رئاسياً، ورئيس الجمهورية ينتخبه النواب وليس الشعب مباشرة. كذلك، فإنّ رئيس الجمهورية ينتمي الى طائفة محدّدة، ويجب أن لا يفرض رئيساً للحكومة ينتمي الى طائفة أخرى لديها ممثّليها في مجلس النواب، بحسب ما يوضح رزق.
الإشكالات الدستورية والتحجّج بالصلاحيات دفاعاً عن «الطائفة» تُطاول كل المؤسسات. وفي الأمس القريب، في صيف 2018، خلال عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفي ظلّ حكومة تصريف أعمال برئاسة سعد الحريري، إشتعل الجدل المتكرّر حول حق مجلس النواب في أن يقوم بدوره التشريعي في ظلّ حكومة تصريف أعمال.
وفيما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّه سيدعو الى عقد جلسة تشريعية الثلاثاء المقبل «بناءً على رغبة الحراك المدني الحقيقي»، قد يغيب الجدل السياسي - الدستوري - الطائفي حول التشريع هذه المرة، فيُضاف هذا الإنجاز إلى ما حققته «انتفاضة 17 تشرين الأول»، إذ إنّ اقتراحات ومشاريع القوانين التي أُدرجَت في جدول أعمال هذه الجلسة أُخرجت من الأدراج بعد سنوات، تحت ضغط الشارع، وبغية «رشوة» اللبنانيين.
على صعيد التشريع، يوضح رزق أنّ «مجلس النواب سيّد نفسه». لكن هناك إشكالية إضافية، إذ إنّ المادة 32 من الدستور تنصّ على أنّ العقد الثاني العادي لاجتماع مجلس النواب یبدأ یوم الثلاثاء الذي یَلي الخامس عشر من شهر تشرین الأول، وتُخصّص جلساته للبحث في الموازنة والتصویت علیها قبل أيّ عمل آخر، وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة.
فهل يُمكن إقرار أيّ قانون قبل إقرار الموازنة؟ يجيب رزق: «لا يجوز خلال هذا العقد تَبدية أيّ قوانين على قانون الموازنة»، مشيراً إلى أنّ «الرقابة على مجلس النواب مزدوجة: قانونية من المجلس الدستوري وسياسية من الشعب. لذلك إنّ كل تصرّف يضمن المصلحة العامة يكون مقبولاً».
ويعتبر أنّ «إبقاء القوانين المُلحّة في الأدراج لسنوات وعدم إقرارها إلّا تحت ضغط المطالبة لتخدير الشارع، هو دليل «استِلشاء». وهذا الأمر يقتضي المحاسبة».
وفي حال الرضوخ لطلب المتظاهرين بإجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد تأليف حكومة حيادية من اختصاصيين، يُرتَقب حدوث جَدل حول قانون الانتخاب الذي سيُعتمد.
في هذا الإطار، يرى رزق أنّ «القانون الأفضل هو الدائرة الفردية بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري بطريقة تؤكّد الوحدة الوطنية، ويكون التقسيم على أساس جغرافي مع الحفاظ على المناصفة، التي لا يُمكن الخروج عن تطبيقها إلّا بعد إلغاء الطائفية السياسية بموجب المادة 95 من الدستور».
ويعتبر أنّ «الانتخاب على أساس الدائرة الفردية يؤمّن صحة التمثيل لشتّى فئات الشعب، ويفتح المجال لكي يوصِل الناس ممثليهم الفعليين ويحاسبوهم».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك