لا نهائيات في المواجهة المفتوحة في المنطقة بين أميركا وحلفائها من جهة، وإيران ومنظومتها السياسية والعسكرية من جهة أخرى. المشهد على الكثير من التعقيد، وينذر بدخول ساحات النفوذ الإيراني مرحلة جديدة لا يمكن قراءتها بمعزل عن ارتفاع منسوب الضغوط عليها في إطار سياسة التضييق والتطويع الهادف إلى تقليم أظافرها وإضعاف أوراقها الإقليمية التي تتكئ عليها في لعبة عض الأصابع الدائرة على وقع الحصار الخانق اقتصادياً الذي تعيشه بفعل العقوبات الاقتصادية الأميركية التي تستهدفها وأذرعها العسكرية.
ما هو أكيد أن واشنطن ستواصل ضغوطها وبأشكالها المتعددة على إيران وستعمل على توسيع رقعة الحلفاء, لا سيما من الأوروبيين والخليجيين والعرب, لضمان نجاح هذه المهمة الهادفة في نهاية المطاف إلى الإتيان بطهران إلى طاولة المفاوضات بشروط الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي بتعبير ألطف. ليس هناك من شك أن المسار الذي ستسلكه التطورات لن يكون إلا بما يتناسب مع توقيت وعلى ساعة سيد «البيت الأبيض»، الذي دخل في مرحلة العد العكسي للانتخابات الأميركية بغية الفوز في ولاية جديدة.
من المنظار الأميركي، فإن دونالد ترامب لا بد له من أن يحسب جيداً كل خطوة قد يُقدم عليها في المنطقة خوفاً من أي تأثير سلبي لها على ناخبيه في صناديق الاقتراع. وأولى هذه المحاذير عدم الانغماس في الحرب وحيداً من دون مظلة دولية وعربية تحميه من سهام خصومه الديموقراطيين الذين فتحوا عليه في الداخل معركة «عزل الرئيس»، وينتظرون أن ينقضّوا عليه في ملفات السياسة الخارجية ومنها الملف الإيراني، ولا سيما إذا ما انزلقت المواجهة إلى الحيز العسكري.
من هنا، يتم التعامل مع الاستدراج الإيراني على ساعة طهران بعقل بارد بعيداً عن ردات فعل غير محسوبة التوقيت والنتائج والتداعيات. فحرب الناقلات جرى امتصاصها ولكن استهداف ناقلات النفط في بحر العرب ومضيق هرمز أفضى إلى البحث عن إطار جامع لحماية أمن الملاحة في الخليج، فكان لا بد لـ«الحرس الثوري» من أن يرفع التحدي إلى الحرب على المنشآت النفطية السعودية التابعة لـ«أرامكو»، علّ الاستفزازات تفعل فعلها باستهداف الحليف الخليجي الأبرز للولايات المتحدة. ما حصل أن المسألة لم يتم التعامل معها على أنها استهداف لأمن الطاقة في السعودية وحدها بل لأمن الطاقة في العالم أيضاً، وبالتالي، فإن مسؤولية الرد والردع لا تقع على المملكة العربية السعودية فحسب، بل تتطلب عملاً دولياً، بحيث «يجتمع العالم لردع إيران».
ورغم المحاولات الفرنسية لاحتواء التوتر بفتح خطوط اتصال مباشرة بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني التي لم تصل إلى ما يشتهيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورغم الحديث عن مسعى دولة عربية للقيام بمهام جمع إيران والسعودية، فإن الإجراءات الأميركية - الأوروبية - الخليجية - العربية ماضية لبناء تحالف واسع في إطار حماية أمن الملاحة في وجه التهديدات الإيرانية، ومعه لا يزال العمل جارياً من أجل إنشاء «الناتو العربي» الذي لا يمكن أن يشكل الثقل المطلوب منه من دون انضمام الأردن ومصر إليه، في وقت أدرج فيه مراقبون أهداف محاولات تحريك الشارع المصري في وجه حكم عبد الفتاح السيسي، والتي يتم ربطها بمنظومة «الإسلام السياسي»، في إطار عرقلة خطوة المشاركة في «الحلف العربي».
على أن الأنظار تتجه راهناً في معركة الضغوط المتبادلة إلى ساحتين، الساحة العراقية والساحة اللبنانية المرشحتين إلى مزيد من الاهتزاز. اثنتان من العواصم الأربع التي تغنَّت طهران أنها تمسك بها أضحت في قلب الصراع المستعر. التظاهرات التي تشهدها بغداد ومحافظات عراقية عدة وحجم القمع الذي يتعرّض له الشبان العراقيون الغاضبون الباحثون عن حياة أفضل في ظل الأزمات المتفاقمة وسطوة الفساد التي تشكلها الأحزاب المُطبقة على الحكم وارتهان طيف منها لإيران وقيام حشدها الشعبي بالتصدي للجموع التي يردد بعضها شعار «إيران برا برا بغداد حرة حرة» ينذر بحجم المأزق الذي دخلته هذه البلاد التي تعتبرها إيران حديقتها الخلفية ومتنفسها الاقتصادي ونقطة الارتكاز في مشروع «هلالها الشيعي» وربط طهران ببيروت.
قد يكون من الباكر توقع ما سيؤول إليه تحرك الشارع العراقي، الذي لم يرقَ بعد إلى مصاف «الانتفاضة الكبرى» لكنه دون شك يهز كيان حكومة عادل عبد المهدي ومن خلفه إيران وحلفائها وأذرعها العسكرية التي تواجه في حقيقة الأمر بيئاتها الشعبية الشيعية، ذلك ان التظاهرات الراهنة، وإن ضمّت بعضاً من المكونات الأخرى، إلا ان الطابع الغالب عليها يبقى المكون الشيعي. وإذا كان خبر فتح معبر البوكمال بين العراق وسوريا في هذه المرحلة الضاغطة على إيران يُنظر إليه على أنه خطوة تصب لصالحها، فإن المتابعين يرون أنه من الباكر أيضاً اعتبار أن الطريق بين طهران وبيروت أصبحت سالكة على الخطين، وهي على مرمى حجر من القواعد الأميركية في العراق.
أما الساحة اللبنانية، فإنها معرضة لمزيد من الضغوط بفعل عدة عوامل: أولها الهزات المتتالية التي تصيب التسوية الرئاسية، والتي مع كل اصطدام بين أطرافها، تترنح دون أن تسقط، لكنها بعد ثلاث سنوات أصبحت في وضع أضعف وأكثر هشاشة من قبل. لا تصل الرهانات إلى حد سقوطها، لكنها لم تعد قادرة على أن تشكل رافعة للوضع اللبناني الغارق في أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة، في وقت تشهد اضطرابات متتالية بين أطرافها، يشكل فصلها الأخير تدهور العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وتيار المستقبل، فيما الخلافات بين «التيار الوطني» و«القوات» تتفاقم، وقبلها العلاقة بين «التيار الوطني» والاشتراكي، والاشتراكي و«حزب الله». وثاني هذه العوامل، عدم قدرة السلطة السياسية على الانخراط في عملية إصلاح حقيقية التزمت بها أمام المانحين في مؤتمر «سيدر» وأضحت شرطاً للإفراج عن الحزمة الأولى من المشاريع التي من شأنها أن تعيد تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد.
وثالث هذه العوامل والأكثر حساسية وخطورة، هو الوضع المالي والنقدي، بحيث أن ما يشهده لبنان من وجود سوقي صرف للدولار، سوق رسمي وسوق مواز هي سوق سوداء، يطرح علامات استفهام حول المرامي والأهداف منه في هذا التوقيت بالذات، والنتائج والتداعيات التي يمكن أن تفضي إليه. كما يطرح علامات استفهام حول الجهات المستفيدة منه، وما إذا كان ستتم إعادة ضبطه أم سيصبح جزءاً من الواقع النقدي في البلاد. فالكلام الدائر في الأروقة يربط، في جانب منه، ما جرى بعدم قدرة مصرف لبنان على التدخل للجم السوق على حساب احتياطاته، وربما رغبته في جمع العملة الصعبة من السوق. ولكنه، في جانب آخر، يرى أن وجود سوق موازية يشكل المخرج أو المتنفس الذي يحتاج إليه «حزب الله» في ظل العقوبات الأميركية المتصاعدة عليه وعلى النظام السوري وإيران. فالسوق السوداء تتيح لـ «حزب الله» وشركائه وشركاء النظام السوري تأمين البضائع والسلع وشراء النفط المحظور وغيرها من المواد المشمولة بالعقوبات من السوق المحلية وتهريبها إلى سوريا ومنها إلى العراق فطهران. ولعل هذا يفسر حال الصمت الذي طغى على مختلف القوى السياسية، بحيث بات ما تشهده الأسواق أقرب إلى اللغز لما يلفه من غموض وغياب الإجابات المقنعة.
ما هو غير واضح حجم الانعكاسات التي ستصيب لبنان ونظامه المالي، وما إذا كان ذلك سيجلب إليه مزيداً من الضغوط الأميركية في ظل تشكيله قناة التفافية على العقوبات وحديقة خلفية لسوريا وإيران، أم أنه سيستدرج بواقعه الجديد احتضاناً دولياً لمنعه من السقوط الكلي حتى ولو أخفق السير في درب الإصلاحات المطلوبة!.
ما هو أكيد أن واشنطن ستواصل ضغوطها وبأشكالها المتعددة على إيران وستعمل على توسيع رقعة الحلفاء, لا سيما من الأوروبيين والخليجيين والعرب, لضمان نجاح هذه المهمة الهادفة في نهاية المطاف إلى الإتيان بطهران إلى طاولة المفاوضات بشروط الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي بتعبير ألطف. ليس هناك من شك أن المسار الذي ستسلكه التطورات لن يكون إلا بما يتناسب مع توقيت وعلى ساعة سيد «البيت الأبيض»، الذي دخل في مرحلة العد العكسي للانتخابات الأميركية بغية الفوز في ولاية جديدة.
من المنظار الأميركي، فإن دونالد ترامب لا بد له من أن يحسب جيداً كل خطوة قد يُقدم عليها في المنطقة خوفاً من أي تأثير سلبي لها على ناخبيه في صناديق الاقتراع. وأولى هذه المحاذير عدم الانغماس في الحرب وحيداً من دون مظلة دولية وعربية تحميه من سهام خصومه الديموقراطيين الذين فتحوا عليه في الداخل معركة «عزل الرئيس»، وينتظرون أن ينقضّوا عليه في ملفات السياسة الخارجية ومنها الملف الإيراني، ولا سيما إذا ما انزلقت المواجهة إلى الحيز العسكري.
من هنا، يتم التعامل مع الاستدراج الإيراني على ساعة طهران بعقل بارد بعيداً عن ردات فعل غير محسوبة التوقيت والنتائج والتداعيات. فحرب الناقلات جرى امتصاصها ولكن استهداف ناقلات النفط في بحر العرب ومضيق هرمز أفضى إلى البحث عن إطار جامع لحماية أمن الملاحة في الخليج، فكان لا بد لـ«الحرس الثوري» من أن يرفع التحدي إلى الحرب على المنشآت النفطية السعودية التابعة لـ«أرامكو»، علّ الاستفزازات تفعل فعلها باستهداف الحليف الخليجي الأبرز للولايات المتحدة. ما حصل أن المسألة لم يتم التعامل معها على أنها استهداف لأمن الطاقة في السعودية وحدها بل لأمن الطاقة في العالم أيضاً، وبالتالي، فإن مسؤولية الرد والردع لا تقع على المملكة العربية السعودية فحسب، بل تتطلب عملاً دولياً، بحيث «يجتمع العالم لردع إيران».
ورغم المحاولات الفرنسية لاحتواء التوتر بفتح خطوط اتصال مباشرة بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني التي لم تصل إلى ما يشتهيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورغم الحديث عن مسعى دولة عربية للقيام بمهام جمع إيران والسعودية، فإن الإجراءات الأميركية - الأوروبية - الخليجية - العربية ماضية لبناء تحالف واسع في إطار حماية أمن الملاحة في وجه التهديدات الإيرانية، ومعه لا يزال العمل جارياً من أجل إنشاء «الناتو العربي» الذي لا يمكن أن يشكل الثقل المطلوب منه من دون انضمام الأردن ومصر إليه، في وقت أدرج فيه مراقبون أهداف محاولات تحريك الشارع المصري في وجه حكم عبد الفتاح السيسي، والتي يتم ربطها بمنظومة «الإسلام السياسي»، في إطار عرقلة خطوة المشاركة في «الحلف العربي».
على أن الأنظار تتجه راهناً في معركة الضغوط المتبادلة إلى ساحتين، الساحة العراقية والساحة اللبنانية المرشحتين إلى مزيد من الاهتزاز. اثنتان من العواصم الأربع التي تغنَّت طهران أنها تمسك بها أضحت في قلب الصراع المستعر. التظاهرات التي تشهدها بغداد ومحافظات عراقية عدة وحجم القمع الذي يتعرّض له الشبان العراقيون الغاضبون الباحثون عن حياة أفضل في ظل الأزمات المتفاقمة وسطوة الفساد التي تشكلها الأحزاب المُطبقة على الحكم وارتهان طيف منها لإيران وقيام حشدها الشعبي بالتصدي للجموع التي يردد بعضها شعار «إيران برا برا بغداد حرة حرة» ينذر بحجم المأزق الذي دخلته هذه البلاد التي تعتبرها إيران حديقتها الخلفية ومتنفسها الاقتصادي ونقطة الارتكاز في مشروع «هلالها الشيعي» وربط طهران ببيروت.
قد يكون من الباكر توقع ما سيؤول إليه تحرك الشارع العراقي، الذي لم يرقَ بعد إلى مصاف «الانتفاضة الكبرى» لكنه دون شك يهز كيان حكومة عادل عبد المهدي ومن خلفه إيران وحلفائها وأذرعها العسكرية التي تواجه في حقيقة الأمر بيئاتها الشعبية الشيعية، ذلك ان التظاهرات الراهنة، وإن ضمّت بعضاً من المكونات الأخرى، إلا ان الطابع الغالب عليها يبقى المكون الشيعي. وإذا كان خبر فتح معبر البوكمال بين العراق وسوريا في هذه المرحلة الضاغطة على إيران يُنظر إليه على أنه خطوة تصب لصالحها، فإن المتابعين يرون أنه من الباكر أيضاً اعتبار أن الطريق بين طهران وبيروت أصبحت سالكة على الخطين، وهي على مرمى حجر من القواعد الأميركية في العراق.
أما الساحة اللبنانية، فإنها معرضة لمزيد من الضغوط بفعل عدة عوامل: أولها الهزات المتتالية التي تصيب التسوية الرئاسية، والتي مع كل اصطدام بين أطرافها، تترنح دون أن تسقط، لكنها بعد ثلاث سنوات أصبحت في وضع أضعف وأكثر هشاشة من قبل. لا تصل الرهانات إلى حد سقوطها، لكنها لم تعد قادرة على أن تشكل رافعة للوضع اللبناني الغارق في أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة، في وقت تشهد اضطرابات متتالية بين أطرافها، يشكل فصلها الأخير تدهور العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وتيار المستقبل، فيما الخلافات بين «التيار الوطني» و«القوات» تتفاقم، وقبلها العلاقة بين «التيار الوطني» والاشتراكي، والاشتراكي و«حزب الله». وثاني هذه العوامل، عدم قدرة السلطة السياسية على الانخراط في عملية إصلاح حقيقية التزمت بها أمام المانحين في مؤتمر «سيدر» وأضحت شرطاً للإفراج عن الحزمة الأولى من المشاريع التي من شأنها أن تعيد تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد.
وثالث هذه العوامل والأكثر حساسية وخطورة، هو الوضع المالي والنقدي، بحيث أن ما يشهده لبنان من وجود سوقي صرف للدولار، سوق رسمي وسوق مواز هي سوق سوداء، يطرح علامات استفهام حول المرامي والأهداف منه في هذا التوقيت بالذات، والنتائج والتداعيات التي يمكن أن تفضي إليه. كما يطرح علامات استفهام حول الجهات المستفيدة منه، وما إذا كان ستتم إعادة ضبطه أم سيصبح جزءاً من الواقع النقدي في البلاد. فالكلام الدائر في الأروقة يربط، في جانب منه، ما جرى بعدم قدرة مصرف لبنان على التدخل للجم السوق على حساب احتياطاته، وربما رغبته في جمع العملة الصعبة من السوق. ولكنه، في جانب آخر، يرى أن وجود سوق موازية يشكل المخرج أو المتنفس الذي يحتاج إليه «حزب الله» في ظل العقوبات الأميركية المتصاعدة عليه وعلى النظام السوري وإيران. فالسوق السوداء تتيح لـ «حزب الله» وشركائه وشركاء النظام السوري تأمين البضائع والسلع وشراء النفط المحظور وغيرها من المواد المشمولة بالعقوبات من السوق المحلية وتهريبها إلى سوريا ومنها إلى العراق فطهران. ولعل هذا يفسر حال الصمت الذي طغى على مختلف القوى السياسية، بحيث بات ما تشهده الأسواق أقرب إلى اللغز لما يلفه من غموض وغياب الإجابات المقنعة.
ما هو غير واضح حجم الانعكاسات التي ستصيب لبنان ونظامه المالي، وما إذا كان ذلك سيجلب إليه مزيداً من الضغوط الأميركية في ظل تشكيله قناة التفافية على العقوبات وحديقة خلفية لسوريا وإيران، أم أنه سيستدرج بواقعه الجديد احتضاناً دولياً لمنعه من السقوط الكلي حتى ولو أخفق السير في درب الإصلاحات المطلوبة!.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك