شكل ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن فحوى قضية مثارة في جنوب أفريقيا تتعلق برئيس الحكومة سعد الحريري، صدمة في الشارع اللبناني. لكن المفارقة أن هذا الملف يعود لستة أعوام، وتم ذكر اسم الحريري في عدد من المقالات التي نشرتها الصحافة الجنوب أفريقية خلال السنوات الماضية.
بداية الشكوك
بدأت الصحافة في جنوب أفريقيا، تتابع باهتمام العلاقة التي جمعت الحريري وكانديس فان دير مروي في عام 2015، عندما عينت محكمة الاستئناف العليا في كيب تاون، كوليت موراي، كمشرفة على الأصول التي تمتلكها عارضة الأزياء، بما في ذلك الحسابات المصرفية التي بلغت قيمتها 15 مليون دولار.
منعت المحكمة بموجب القرار آنذاك دير مروي من التصرف بأصولها، وجاء القرار مدعوماً بدليل من مصلحة الإيرادات بجنوب أفريقيا، يشير إلى أن والد العارضة المذكورة، استخدمها كقناة للتهرب من الضرائب، عبر إيداع الأموال في حسابها.
أموال من شخص مقرب من الحريري
رداً على اتهامات المحكمة، ادعت دير مروي أنها استلمت المال من أحد المعجبين العرب الذين قابلتهم في منتجع "بلانتيشن كلوب" للأثرياء. وهو منتجع أحاطت به ظروف مثيرة للجدل منذ عام 2008، عندما أجبرت حكومة سيشيل المالك السابق على التصفية، ليتم بيعه لشركة مرتبطة بعبد المحسن بن عبد الملك آل الشيخ، رجل الأعمال الثري المقرب من العائلة المالكة السعودية.
وقد أشار موقع معارض في سيشيل، أن المنتجع، الذي تديره الآن فنادق كمبينسكي، أصبح ملعباً للأمراء العرب. حيث يمكنهم الاسترخاء في خصوصية تامة بعيداً عن أعين الفضوليين التي تصاحب عادة أنماط حياتهم، ولا يُسمح بالدخول إليه إلا بعد إجراءات أمنية مشددة.
أشارت دير مروي في عام 2015 أن أصدقاءها اقترحوا عليها قبل عامين البحث عن منزل فاخر في سيشيل، ملمحين بأنها ستتلقى أموالاً من دون تحديد المصدر. وأضافت أن الحظ ابتسم لها عندما تلقت هدية سخية بقيمة 15.3 مليون دولار من رجل عربي، تم التعرف عليه على أنه محمد نزيه رواس، وهو أحد المقربين من الرئيس سعد الحريري.
عادت دير مروي في وقت لاحق، لتؤكد لمحققين من البنك الاحتياطي، أن مرسل الأموال كان مساعداً للجهة المانحة الحقيقية، وهي شخصية مهمة كشفت عن هويتها، ولكن تم سحب اسمها من أوراق المحكمة. كما أفادت بأنها طلبت من والدها على الفور التعامل مع هذه الأموال، لأنه كان رجل أعمال ذا خبرة.
حامت الشكوك بعد رواية ديروي حول والدها غاري فان دير ميروي، مجدداً، خصوصاً وأنه واجه سابقاً تهماً تتعلق ببيع احتيالي مزعوم لأسهم في شركتين: "وورلد أون لاين ليمتد"، المسجلة في موريشيوس، وشركة جنوب أفريقية تُدعى "شبكة ويلنس الدولية". وقد ردد باستمرار، أنه لا يملك أي أصول ولا دخلاً، وأن الأموال التي وصلت لابنته ليس له أي علاقة بها.
عودة القضية
في عام 2018، أعادت الصحافة الجنوب أفريقية تناول القضية، بعد أن أعلنت دير مروي عن نيتها مقاضاة وزير المالية تيتو مبويني بسبب الانتهاكات المزعومة لحقوقها والأضرار التي لحقت بسمعتها.
وتحدثت الصحف حينها عن مجموعة من مسودات أوراق المحكمة، التي تم إرسالها إلى وزير المالية مع خطاب طلب تعويض، ذُكر فيه اسم سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان الثري، مضيفين أن محامي فان دير مروي، تيم دن، لم يؤكد أو ينكر أن الحريري هو الرجل المعني في القضية.
في المراسلات السرية التي كشفت عنها الصحف الجنوب أفريقية العام الماضي، وصف البنك الاحتياطي الجنوب أفريقي و "ستاندر بنك"، العلاقة بين المانح (أي الحريري) ودير مروي بأنها علاقة غرامية. وأصرت دير مروي مراراً وتكراراً بأن السلطات الضريبية كانت تعرف طوال الوقت أن المال كان في الواقع مجرد هدية، لكنها فشلت في إثبات هذه الحقيقة في الدعاوى القضائية المتعلقة بهذا الأمر.
وكشفت الصحف عن رسالة أرسلها محاميها إلى وزارة المالية، تنص على ما يلي: "تم إنهاء علاقة موكلتي بالسيد الحريري، ما يعني أنها فقدت المزايا المالية التي كانت ستجنيها من العلاقة". ومن الواضح أن المحامي كان يحاول أن يقول بأن الحريري توقف عن إرسال الأموال لدير مروي، وبأنها ستخسر كل شيء إن كان مادياً أو مهنياً بسبب هذه القضية.
وقد أدت القضية والدعاية المصاحبة إلى توتر العلاقة بين دير مروي ووالدها وانقطاع التواصل بينهما لبعض الوقت. حتى إن بعض الأصدقاء وشركاء الأعمال قطعوا علاقتهم بها.
معركة قانونية طويلة
ينبع الموقف المتشدد للسلطات الجنوب أفريقية من القضية، والإصرار على حجز الأموال، من المعركة القانونية الطويلة التي يخوضها والدها منذ عام 2007 وقرار مجلس المساعدة القانونية بحرمانه من المساعدة المالية.
وتؤكد السلطات الضريبية بأنه قام بعمليات احتيال لتجنب دفع ضريبة القيمة المضافة، حين قامت عدة شركات ترتبط به بمخططات (مشروعات) وهمية. وهو يحاول من خلال ابنته انقاذ وضعه المالي. وفي آخر تحرك له، أثار والد العارضة الحسناء تحدياً دستورياً لمواد من قانون الضرائب وقوانين ضريبة القيمة المضافة، التي بموجبها تم الحصول على أمر تجميد أصول ابنته، وقد عيّن محامياً جنائياً مخضرماً، يُدعى يان هيونيس إس سي، لمواجهة مصلحة الإيرادات بجنوب أفريقيا.
الحريري معلقاً
علق الرئيس سعد الحريري، على ما كشفته الصحيفة الأميركية، قائلاً "مهما شنوا حملات ضدي لن أتوقف عن العمل. كلما قمنا بإنجاز ما، يأتي من يهاجم هذا الإنجاز، وبعض السياسيين يدعي أن لا ذنب لهم بما يحصل، في حين أن ما نمر به هو بفعل الخلافات بين كل الأحزاب السياسية بمن فيهم تيار المستقبل".
ونقلت قناة "روسيا اليوم" عن مصدر لبناني قوله إن الكشف عن قضية عارضة الأزياء يأتي في سياق توجيه رسالة لوم أميركية قاسية للحريري تتزامن مع مطالبته بالاستقالة على خلفية تأزم الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد، خصوصاً أنه بات أكثر التصاقاً بالتيار الوطني الحر وحزب الله.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك