حين يتحدثون عن طرابلس، يحضر من الوهلة الاولى مشهد ساحة عبد الحميد كرامي والشعار الذي يشير الى هوية المدينة على انها قلعة المسلمين...
لم يستفز هذا الشعار كهنة مسيحيين حيث قال احدهم ان طرابلس هي قلعة المسلمين لان الغالبية فيها من الطائفة الاسلامية، ونحن ايضا نعتبرها قلعة للتعايش الاسلامي - المسيحي رغم كل ما مر عليها من محن وظروف مأساوية بقي فيها المسيحي متشبثا بالارض التي ولد عليها وترعرع جنبا الى جنب المسلم بتقاليد وعادات طرابلسية واحدة...
لكن هذا الواقع لم يصمد كثيرا في السنوات الاخيرة حين تسللت افكار "داعش" و"النصرة" التكفيرية منذ اندلاع الازمة السورية يقول احد رجال الدين المسيحي الذي فضل عدم ذكر اسمه ان الوجود المسيحي في طرابلس - وهو وجود جذري يرقى الى زمن تأسيس المدينة مرورا بالعهد الروماني والصليبي حتى ان مؤرخين يشيرون الى آثار مسيحية لكنيسة اسسها بولس الرسول - والى يومنا هذا بدأ يتقلص خلال الحرب الاهلية، واستمر النزف المسيحي الى السنوات الماضية حيث في كل مرة كانت تنزح عائلات طرابلسية مسيحية نحو ضواحي المدينة (ضهر العين - مجدليا) او نحو الكورة وزغرتا وجبيل والبعض الى بيروت...
حسب احد الوجوه المسيحية الطرابلسية ان الوجود المسيحي تقلص الى ما يقارب النصف حيث اذا اخذنا بالاعتبار ان عدد المسيحيين بالزاهرية يقارب الـ4000 مواطن بات اليوم لا يتجاوز الـ1500 مواطن واقل... وعدد المسيحيين في طرابلس مع القبة يقارب الـ30 الف مواطن وعدد الناخبين المسيحيين حوالى العشرة آلاف ناخب غير ان الذين يقترعون فعليا لا يتعدى الثلاثة آلآف في احسن الاحوال.
ويشير المصدر الى ان معظم العائلات المسيحية الطرابلسية باعت منازلها واشترت في اماكن اقامتها الدائمة في مجدليا وفي ضهر العين وجبيل وبيروت بالرغم من ان البعض منهم حافظ على محلاته التجارية ويتردد يوميا الى طرابلس ثم يغادر عمله مساء.
اما في مدينة الميناء فحسب الدكتور جان توما ان تقلص الوجود المسيحي عائد لعدة اسباب ابرزها الحروب التي شهدتها طرابلس وثانيا ازمة السكن وغلاء الشقق السكنية وثالثا انعدام فرص العمل .. مضيفا ان كل هذه العوامل تسببت بأمرين: نزوح العائلات نحو مناطق تتوفر فيها المصانع والشركات وفرص العمل في بيروت ومناطق لبنانية اخرى ،وثانيا هجرة الكثير من العائلات المسيحية الى اوروبا والدول الاسكندينافية والاستقرار هناك خاصة هجرة شاملة لعائلات الارمن والسريان والاشوريين والكلدان ولم يبق منها احد وكان لهم مركز اقتراع واحد.
ويستدرك توما قائلا ان النزوح والهجرة لم ينحصر بالمسيحيين بل ايضا شمل ابناء الطوائف الاخرى فكثيرا من المسلمين هاجروا بحثا عن لقمة عيش كريمة بسبب تفشي البطالة.
ويقول ان في الميناء قرابة الـ35 ألف ناخب مسيحي واليوم لم يتعد العدد الـ 3500 ناخب مسيحي وبات الوجود المسيحي في الميناء حوالى الـ12 الف مسيحي فقط... لكن المسيحيون في الميناء يعيشون في اجواء من العيش الواحد والاخوة لدرجة ان المجلس البلدي في الميناء يحرص فاعليات المدينة على عدد مقاعد المسيحيين السبعة من اصل 21 عضوا وعلى ثلاثة مخاتير مسيحيين حتى ان العرف المستمر هو ان يكون نائب رئيس البلدية مسيحي بالتزكية. علما ان المسيحيين سواء في الميناء او في طرابلس يفوزون باصوات المسلمين حفاظا على النسيج الوطني لان اصوات المسيحيين لا تكفي ليفوز المسيحي.
اما بقية الطوائف المسيحية وإن تقلص عددها فهناك عائلات تمسكت بالبقاء بارضها تمارس حياتها اليومية كالمعتاد في كنائس سبعة في الميناء اربعة للروم الارثوذكس وكنيسة مارونية وكنيسة للروم الكاثوليك وكنيسة للسريان الارثوذكس.بل ان دير الرهبانية الانطونية يعمل رئيسه على تشييد صرح اخر في جوار المدرسة الملاصقة للكنيسة المارونية في الميناء.
احد المواطنين اشار الى ان الخوف المسيحي لم يكن من المسلم الطرابلسي الذي كان حريصا على المسيحي حرصه على نفسه، بل كان الخوف من موجة التكفيريين الغريبة على تقاليد طرابلس وقد انتهت هذه الموجة وباذن الله الى غير رجعة ولذلك تسببت هذه الموجة برفع منسوب النزوح وبيع الممتلكات والانتقال للسكن خارج المدينة وقد شهدت طرابلس واحياء القبة التي تسلل اليها النزوح ابان حرب السنتين التي غيرت معالم القبة بعد نزوح الكثير من العائلات باتجاه مجدليا وزغرتا مخلفين منازلهم وممتلكاتهم التي لم يعودوا اليها منذ ذلك الوقت.غير انه اليوم عادت اجراس الكنائس الارثوذكسية والمارونية تقرع في الزاهرية وفي القبة لكن انخفض عدد المصلين بشكل كبير بحيث ان الكنيسة بالكاد تمتلئ بالمصلين الا في الاعياد حيث يقصدها الرعايا من عدة مناطق وعند انتهاء القداديس يعودون الى اماكن اقامتهم الدائمة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك