بشرى ازفتها الرهبانية اللبنانية المارونية الى اهل الجبل في أسبوع الآلام، تتمثل في مبادرتها الى شراء مزرعة بودين المجاورة لدير مار مارون في مجدل المعوش، قبل وقوعها في ايدي غرباء عن المنطقة من الطامحين الى شراء الاراضي والعقارات في قلب الشوف من دون اي اعتبار للموازين الدقيقة وقيم العيش المشترك التي عانت ما عانته في الجبل.
واستناداً الى المعلومات المتوافرة، فان ورثة بديع الخوري ابن عم الرئيس الشيخ بشارة الخوري، عرضوا المزرعة للبيع لاسباب خاصة وشخصية جداً، وتوجهوا بعرضهم الى الرهبانية المارونية اولاً. ولكن فور شيوع الخبر، عمد السماسرة وتجار الاراضي والعقارات الذين يفتشون عن قطعة ارض للمسيحيين او للدروز لكي يشتروها منهم وبمبالغ طائلة ولو كانت في قلب الشوف عاليه، الى التحرك، وحاولوا ابتياع مزرعة بودين من أحد المتمولين الغرباء عن المنطقة وقدموا اسعاراً مغرية جداً وبأسلوب محترف. غير أن موقف آل الخوري الصلب ورفضهم بيع المزرعة سوى للرهبان او لابناء المنطقة ادى الى خيبة السماسرة. وقال المحامي رمزي هيكل ان وكلاءه آل الخوري اتخذوا موقفاً مشرفاً ووطنياً يحتذى به برفض البيع من خارج الشوف، لا بل اصروا على بيع المزرعة الى الرهبانية، خصوصاً ان بودين مترامية الاطراف وتمتد حدودها من المعوش الى وادي نهر الدامور".
وبالفعل جرت الامور كما تمنى اهالي المنطقة، فقد اتخذت الرهبانية المارونية قراراً شجاعاً بشراء بودين بدفع من الرئيس العام للرهبانية الاباتي طنوس نعمة وادارة الرهبانية المارونية رغم عدم توافر الامكانات المالية نقداً، وذلك لكي تشكل نموذجاً يحتذى بين المؤسسات الكنسية المختلفة وهيئات المجتمع المدني المسيحية للتمسك بالارض واطلاق مشروع الدفاع عنها والتصدي لمشاريع التملك المشبوهة.
واول من امس، انكب فريق من القانونيين على انجاز ترتيبات عملية انتقال الملكية القانونية بكل تفاصيلها، حيث ذكر وكيل آل الخوري انهم قرروا التنازل للرهبانية ايضاً عن 110 امتار من حصتهم في مياه نبع الصفا، بهدف اقامة مشاريع زراعية وتنموية في محيط الدير لافادة اكبر عدد ممكن من العائلات وتنمية المجتمع المحلي. وقال المحامي هيكل: "ان ما جرى في بودين يشكل نموذجاً يحتذى به". ورأى ان قرار الرهبانية المارونية "واضح وصريح جداً في التأكيد على تشبثها بالعيش المشترك والعمل على ايجاد فرص عمل واطلاق مشروع زراعي ضخم في المنطقة يضاف الى ما يقوم به دير مار مارون".
يذكر ان الرهبان عادوا الى دير مجدل المعوش في شباط 1993، حيث اقاموا في ظروف صعبة وسط الخراب والدمار لتبدأ معهم مسيرة اعادة اعمار الدير الذي كان مهدماً بنسبة 80 في المئة، ويمثل ما يشبه "القلب" بالنسبة الى منطقة الحرف التي تضم بلدات وقرى وادي الست، مجدل المعوش، البيرة، كفرنيس، المريجات، الجعايل وشوريت. وتمكن الرهبان خلال عام من اعادة ترميم قسم لا بأس به واعادوا افتتاح المدرسة التي حاضر فيها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عندما كان مطراناً، والمدرسة هذه زارتها ايضاً الوزير السابقة ليلى الصلح حمادة في شباط الفائت والتقت تلامذتها وحضتهم على البقاء والصمود في ارضهم، مستشهدة بأشعيا النبي في قوله: "أشبه بشجرة السنديان التي بعد قطع أغصانها تفرخ فيكون جذعها زرعاً مقدساً".
الاكيد ان منع انتقال مزرعة بودين الى مالكين من خارج الشوف، وتصدي الرهبانية المارونية لهذا الأمر لا بد ان يشكل حدثاً يقتدى به لكل اهل الجبل والبقاع والشمال والجنوب وللمؤسسات الدينية المسيحية والدرزية للتصدي لظاهرة بيع الاراضي، واطلاق مشاريع تنموية واجتماعية واقتصادية تمنع هذه الظاهرة وتسقطها نهائياً، وبذلك يُحفظ العيش المشترك.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك