في انتظار قيام الحكومة الجديدة، ومعالجة العراقيل المتمركزة عند حقيبة وزارة الداخلية، التي تعطل عمل سائر الادارات والوزارات والمؤسسات العامة. وبانتظار التفاهم على حلحلة النقطة الاخرى بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي يقول لطالبي الوزارات من المرجعيات «اعطونا اسماء المرشحين لنوزع على المقبولين الحقائب»، هذا اذا كانت المشكلة محصورة فقط بالاسباب الداخلية كما يؤكد الرئيس المكلف وهو أمر لا ينفي وجود أسباب اقليمية تؤثر في ولادة الحكومة لجهة التسهيل او التأخير.
المهم أن العراقيل السياسية مستمرة لفترة مقبلة في وجه ولادة الحكومة، في الوقت الذي تستعر فيه مسببات الازمة الاقتصادية والاجتماعية، وتتفاقم الازمة المالية وتزداد المخاطر على لبنان في مختلف القطاعات المعيشية أولاً، والتضخمية التي تأكل ما تبقى من القيمة الشرائية للأجور ثانياً، إضافة الى التهديدات المقبلة على صعيد الهجرة المضادة من الخارج الى لبنان، ما يقلص فرص العمل ويرفع البطالة بنسبة غير محددة المعالم تبعاً للتطورات في دول المنطقة القريبة منها والبعيدة. هذه المؤشرات بدأت تظهر في تراجع حركة الرساميل الوافدة والتحويلات من العاملين في الخارج إضافة الى التحويلات من الليرة الى الدولار، ما يعكس حال عدم الاستقرار.
وتزداد المشكلة تعقيداً مع الفلتان الحاصل في اداء الادارات العامة التي تعاني اصلاً من الفراغ والشغور، إضافة الى الفساد الذي يغزو القطاعات التي تهم المواطن والمستثمر، الامر الذي يؤثر أكثر فأكثر على مناخات الاستثمار.
أما الاستحقاقات المالية على الدولة والاستحقاقات النقدية في ظل غياب الموازنة العامة للعام السادس على التوالي فتنذر بصعوبات اخرى في تأمين الاستحقاقات لما تبقى من العام 2011 والمقدرة بحوالى 11,5 مليار دولار، منها حوالى 1,7 مليار دولار لسندات العملات الأجنبية، اولها يستحق في ايار المقبل بقيمة مليار دولار، وهو يحتاج الى تشريع لا يمكن تأمينه في غياب الحكومة والموازنة العامة، الأمر الذي سيجعل مصرف لبنان يؤمن هذا الاستحقاق بواسطة إصدار سندات خزينة بالليرة لمدة سبع سنوات، ثم يقوم ببيع الدولار الى الدولة لتسديد هذا الاستحقاق. أما الاستحقاقات الباقية ومعظمها بسندات الخزينة بالليرة فهي اقل صعوبة ويمكن تأمينها من الاكتتابات الداخلية للمصارف، التي تكتفي بالاكتتابات بحدود الاستحقاقات، من الاهتمام بزيادة اكتتاباتها لتمويل احتياجات الدولة وتمويل عجز الموازنة والخزينة للعام 2011 بانتظار الاطمئنان على قيام الحكومة وشكلها.
أما على الصعيد المعيشي والحركة المطلبية وغياب الحوار الاقتصادي الاجتماعي، فإن مصادر رئيس الحكومة المكلف تشير الى ان الرئيس يضع في اولويات حكومته في حال قيامها معالجة القضايا المعيشية والتقديمات الاجتماعية عن طريق تعزيز لواحق الاجور لمعرفته المسبقة بعجز الدولة والمؤسسات عن تأمين زيادات كبيرة في الاجور، وكذلك عجز خزينة الدولة عن تحمل المزيد من النفقات الكبيرة التي تنعكس زيادة في كلفة خدمة الدين العام الذي يشكل القسم الاكبر من النفقات العامة. هذا الواقع يستوجب خطوات لتحريك الحوار الاقتصادي الاجتماعي بين فرقاء الانتاج في ظل غياب الدولة مع العمل على تحضير خطوات تفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لطرح جملة قضايا كانت ولا تزال عالقة بفعل غياب الاهتمام بالقضايا الاجتماعية وإحياء ما تبقى من نشاطات المجتمع المدني الذي عليه يقع عبء تحريك الحركة المطلبية لتحسين ظروف المعيشة.
الفراغ الاكبر الذي يؤثر على عنصر الاستقرار المالي والنقدي هو عدم إيجاد الطريقة للتجديد لولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الامر الذي ينذر بانتقال عدم الاستقرار الى القطاع المالي والنقدي، وهو أمر كان يفترض ان يتم منذ اشهر نظراً للتحديات التي تواجه القطاع المالي الذي بقي مستقراً حتى خلال اصعب الفترات والازمات المالية والسياسية الماضية.
التحديات المقبلة كثيرة من التضخم الخارجي الى ضعف القدرة الشرائية للأجور والرواتب داخلياً، وصولاً الى تراجع تدفقات الرساميل الخارجية خلال الاشهر الاولى من السنة بأكثر من 30 في المئة، كذلك عودة العجز الى ميزان المدفوعات الذي كان يسجل فوائض بالمليارات خلال الاعوام الماضية.
^^ توافر السيولة المصرفية مستمرة
غير ان العنصر الايجابي الأساسي ما زال يكمن في توافر السيولة لدى القطاع المصرفي، وما زال قادراً على تمويل احتياجات القطاعين العام والخاص نتيجة التراكمات المتوافرة لدى القطاع، والبالغة حوالى 40,5 مليار دولار، وهي مبالغ احتياطية كموفورات موزعة بين المصارف ومصرف لبنان.
اشارة الى أن حركة التسلسفات متاحة حالياً نتيجة تفتيش المصارف عن فرص للاستثمار في ظل تراجع قيمة الفوائد على سندات الخزينة بالليرة من الآجال القصيرة والمتوسطة، والتي لم تعد مغرية لتوظيفات المصارف كما كانت سابقاً.
هذا الواقع جعل مصرف لبنان يبحث عن آلية لزيادة وتشجيع التسليفات للنساء على اعتبار أن التسلسفات للمشاريع والقروض النسائية لا تزال قليلة قياساً الى حجم القروض عامة، وهذا التوجه يستند الى حوافز لتحريك المشاريع عند الاناث.
على صعيد الاحصاءات في التسليفات المصرفية، فإن حصة القروض عند الاناث تشكل حالياً حوالى 20 في المئة، من حيث عدد المقترضين في مختلف القطاعات بما فيها القروض الشخصية او الفردية، وهي تشكل القسم الاكبر من التسليفات لهذه الفئة. فقد بلغ عدد المقترضين من النساء حوالى 93,6 الف مقترضة من اصل حوالى 468 الفاً و380 مقترضاً او مستفيداً من القروض المصرفية.
أما على صعيد القيمة، فإن القروض النسائية بلغت في نهاية العام 2010 ما مجموعه حوالى 1745 مليون دولار من اصل حوالى 34,9 مليار دولار اجمالي القروض المصرفية.
هذا التوجه يجري بحثه وينتظر ان يعاد تحريكه خلال الفترة المقبلة في اطار تحريك عجلة الاقراض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتنويع النشاطات المقبلة.
غير ان هذا الوضع لم يمنع تراجع نمو التسليفات خلال الشهرين الاولين من السنة بأكثر من مليار دولار. وهذا الامر سيدفع مصرف لبنان والقطاع المصرفي الى زيادة فعالية التسليفات للقطاع الخاص عن طريق المصارف الاستثمارية وتوسيع دورها باتجاه المساهمة في تمويل المشاريع والمشاركة فيها، ما سيفعل الحركة باتجاه المؤسسات والقطاعات لا سيما بعد النمو الكبير في مصارف الاستثمار بين العام 1995 وحتى نهاية العام 2010.
تكفي الاشارة الى ان عدد المصارف الاستثمارية ما زال حوالى 13 مصرفاً، وهو كان حوالى 11 مصرفاً في العام 1995. اما موجودات هذه المصارف فقد ارتفعت من 580 مليون دولار في نهاية العام 1995 الى 5234 مليون دولار في نهاية العام 2010، أي انها تطورت حوالى 10 مرات تقريباً. اما ودائع هذه المصارف فقد ارتفعت من 465 مليون دولار في نهاية العام 1995 الى حوالى 3679 مليون دولار. في حين أن تسليفات هذه المصارف ارتفعت من 12 مليون دولار في العام 1995 الى حوالى 1076 مليون دولار في نهاية العام 2010. وهذه النسبة لا تزال قليلة قياساً الى نمو الموجودات والارباح والودائع. على صعيد الاموال الخاصة للمصارف الاستثمارية فقد ارتفعت الى حوالى 716 مليون دولار بعدما كانت حوالى 43 مليون دولار في العام 1995. اما بالنسبة الى الارباح فقد ارتفعت من 14 مليون دولار في العام 1995 الى حوالى 103 ملايين دولار في نهاية العام 2010.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك