لن يسهو عن بال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي غدا، ان ضيوف بكركي وابناءها الزعماء الاربعة المدعوين اليها في اسبوع الآلام "الخلاصي" سبق ان التقوا مرات عدة حول طاولة الحوار الرئاسية في بعبدا ولم يتبدل حرف في الحالة المزمنة.
هل يعني ذلك تبرير التشكيك المسبق بعقم أي محاولة لتغيير يبدو لكثيرين مستحيلاً؟
بطبيعة الحال لا. اذ يكفي بكركي في ظل سيدها الجديد ان تثبت تكرارا ما يختزنه موروثها التاريخي ومسيرة بطاركتها من مسلَّمات لا تتبدل. ثم انه لن يكون امرا عابرا ان ترسَل غدا من بكركي صورة مناقضة تماما لكل اخفاقات السياسة ويومياتها الملبدة في الداخل بـ"قمة"مصغرة مارونية تحت قبتها. واكثر من ذلك، ليس امرا عابرا ان تندفع بكركي وسط التجديد الكنسي الى الاضطلاع بحيوية بدورها في جمع الموارنة والمسيحيين اولا ثم جمع قمة روحية شاملة لاحقا، فيما الشرق العربي يتفجر بغليان الثورات المحفوفة بكل هذا المجهول المخيف.
لذا سيتعين على ممثلي "المؤسسة السياسية" المارونية الميدانية - الزعماء الاربعة المدعوين - ان تتسع صدورهم للتشكيك المسبق المبرر بجدوى جمعهم ولو تحت عباءة المؤسسة الدينية الام، وان يدركوا ايضا انه من حق من اكتوى بالحليب ان ينفخ على اللبن.
ولئلا يغدو التشكيك بالسياسيين بمثابة نمط جاهز خشبي، لنقل ان الاستجابة الفورية لدعوة البطريرك المنتخب وفرت للزعماء الاربعة طلة يفتقدونها وافقا رحبا منفتحا يسجل لهم خصوصا وسط الانسداد السياسي المنتشر في مناخ الانقسامات والاحتراب والاصطفاف وتدمير الجسور. غير ان ايا منهم يجب الا تفوته ضآلة التقديرات وتواضعها حيال "الصورة" التي سيطلقها لقاء قد يغلب الشكل التصالحي فيه على المضمون العميق المتغير والمأمول ان يفتح صفحة تحاكي ما يتحمله الزعماء السياسيون من تبعات حيال اجيال محازبيهم ولا سيما منهم الشباب الذين سمعوا ولم يروا او يشهدوا عن حقبات "الجاهلية" الدامية. اخطر ما لدى هذه الاجيال انها ورثت بالتراكم - ولو لم تتورط مباشرة - شتى صنوف العدائيات. واذا كان للزعماء الاربعة مع بكركي ان يحبطوا كل تشكيك او تقليل لاهمية هذه النقلة، فليس هناك سوى منفذ واحد هو اجتراح مفاجأة تتجاوز الشكل المحابي والسطحي الى شيء عميق وجاد وتغييري ذي صدقية.
ومن يدري؟ لعل لبنان ايضا ينتظر خطوة عكس السير كهذه لتقلب كل مناخه وسواده وانسداده رأسا على عقب. ألم تلهم ثورة لبنان الاستقلالية معظم العالم العربي ثم بدأ الشد فيه الى الوراء تحت وطأة المذعورين من تفشّووي حرياته؟
فماذا لو التمعت غدا في بكركي تلك المفاجأة التي تنفض عن الموارنة عقود الاحتراب وتعيدهم رواد النظام وحراس السيادة؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك