إذا كان نائب لبناني واحد قادرا على تخريب سوريا وزعزعة النظام الحاكم فيها، فلماذا يعجز النائب إيّاه عن تثبيت الاستقرار في لبنان ومنع الآخرين من تخريبه وزعزعة الحكم القائم فيه؟
وإذا كان تيّار سياسي واحد في لبنان قادرا على أن يخرب في أربعة أسابيع ما بَناه النظام في سوريا خلال أربعة عقود، فلماذا يعجز هذا التيّار عن بناء دولة في لبنان تمنع الآخرين من بناء دويلات ومربّعات في ربوعه لا تخضع لدستور ولا تنصاع لأمر ولا تعترف بكيان؟!
وإذا كان حزب سياسي واحد في لبنان قادرا على تحريك الشوارع في درعا ودوما وبانياس وحمص وحماة واللاذقية والحسكة وحلب، فلماذا يعجز هذا الحزب عن حماية شوارع بيروت من غزوات الفجر وسكاكين الدراجين وتحديات "المجاهدين"؟
وإذا كان زعيم لبناني واحد قادرا على التأثير في عقول السوريين وقلوبهم أكثر من مرجعية لهم وحزب وجيش وعقيدة، فلماذا يعجز هذا الزعيم عن احتواء جميع اللبنانيين خلف قيادة واحدة وحزب واحد وجيش واحد وعقيدة واحدة؟!
ثمّة منطق لم يعد مقبولا ولا معقولا في قراءات المحلّلين، على جدارتهم، وتساؤلات العاديين على بساطتهم، إذ كيف يكون اللبناني قاصرا في لبنان ومقتدرا في سوريا، أو محكوما في لبنان وحاكما في سوريا، ومغلوبا في لبنان وغالبا في سوريا؟ وكيف يكون ضحية في أرضه وقاتلا في أرض الآخرين، أو كيف يكون سجينا في أرضه وسجّانا في أرض الآخرين؟
وثمّة منطق آخر لم يعد مقبولا ولا معقولا في حسابات التاريخ وخطوط الجغرافيا، إذ كيف يكون لبنان كيانا ملتبسا لا وجود له في أي مكان، ثم يتحوّل كيانا قائما في قلب سوريا يحدّد لها خيارات سياسية وينتزع لشعبها حقوقا ومكاسب؟ وكيف يكون جسما واهنا ومفككا، ثم يتحوّل جسما متعافيا وموحدا في قلب سوريا يرسم لها حدودا ويُسمّي لها زعماء ويشكّل لها حكومات ويختار لها مناهج ومسارات؟
وأكثر من ذلك، ثمّة منطق لا نفهمه، كيف يمكن أن تتعامل سوريا مع بعض زعماء لبنان على أنهم ضعفاء أو عملاء أو ضالّين أو متآمرين أو متواطئين، وكيف يمكن أن تطيح بعضهم وتلغي بعضهم الآخر، وأن تُحدّد لهم الموقع في مكان والفراغ في آخر، ثم تتعامل معهم على أنهم في سوريا أقوى من حكوماتها وأجرأ من جيشها وأكفأ من استخباراتها؟
حتى الأمس القريب، لم نكن نعرف أنّ لبنان "قوي" إلى هذا الحَدّ، وأنّ بعض زعمائنا "أقوياء" إلى هذا الحد...
حتى الأمس القريب لم نكن نعرف أن سوريا ترى في لبنان ما تراه في إسرائيل، وترى في عقائد زعمائه ما تراه في مكائد إسرائيل وترى في عباءة أحزابه ما تراه في عباءة بن لادن.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك