كتب شادي الياس في موقع mtv:
كثر الكلام في أحداث كاراباخ، إلّا أنّه يجب التّوقّف عند بعض التّحليلات واستخلاص العبر.
في العالم اليوم، على ما يبدو، تسود شريعة الغاب، من هو الأقوى يفرض هيمنته وسلطته.
من ناحية أذربجيان، يمكن القول إنّ البلد مهما علا شأنه في المنطقة وفي علاقاته الدّوليّة، ومهما زادت قدرته على إنتاج الغاز، يجب عليه أن يبقى على علاقة طيّبة مع محيطه في القوقاز.
سكّان "كاراباخ"، أو "إقليم أرتساخ" كما يُسمّى في اللغة الأرمنيّة، عمرهم آلاف السّنين، والتّاريخ وجميع الآثار والعلوم تثبت ذلك. لذلك، مهما كانت الحاجات الاقتصاديّة والممرّات الدّوليّة مهمّة، لا يحقّ لأيّ بلد كان أن يفرض احتلاله بالقوّة على شعب حرّ يحقّ له العيش كما يريد.
صحيح أنّ الصّراع في الظّاهر، كما يصوّره العالم، صراع طائفيّ بين المسلمين والمسيحيّين فقط، إلّا أنّه في العمق عكس ذلك بكلّ تأكيد . فالهدف هو شقّ الطّريق الى السّوق الأوروبّيّ من جهة، وحصار شمال إيران اقتصاديًّا من جهة ثانية.
نجحت اذربجيان في الحفاظ على تحالفاتها التّاريخيّة مع تركيا، ما ساعد بشكل كبير في الدّعم العسكريّ لهذا الاحتلال. كما نجحت في إقناع روسيا في غضّ النّظر عمّا يحدث انتقامًا من أرمينيا.
أمّا من الجانب الأرمنيّ، فهذا الشّعب الذي يحمل في تاريخه الكثير من العذابات والمآسي عبر مئات السّنين لم يحظَ حتّى الآن بدولة تحفظ حقوقه وأمنه. والذي يتابع سياسة أرمينيا في السّنوات الأخيرة، يلاحظ الهوّة الكبيرة بين الشّعب والسّلطة. وسكوت السّلطة عن هذا الخرق السّياديّ له دلالات على التّواطؤ ربّما، أو قبض ثمنها من جهات دوليّة لتكريس مرور خطّ الغاز إلى أوروبا والمحافظة عليه.
مئة وخمسون ألفًا من السّكّان المحليّين الذين يدفعون الثّمن الباهظ وحدهم الذين قاوموا منذ فجر التّاريخ من أجل تعلّقهم بأرضهم التي أحبّوها وقاتلوا من أجلها حتى الاستشهاد عام ٢٠٢٠. لا داعي لمراجعة التّاريخ في هذا الملحق بين عام ١٩٨٨ الى ١٩٩٤ وقبلها ١٨٨٩ وقبلها وقبلها...
العبرة الاجتماعيّة هنا، لا بدّ من التّوقّف عندها والقول بأنّه ليس كافيًا لمجتمع أن يبقى في بيئته الزّراعيّة والصّناعيّة فقط، بل على كلّ فرد الانخراط في العمل السّياسيّ من أجل المصلحة العامّة للبلاد، ومن أجل القدرة على تغيير التّجّار الحاليّين في الحكم، كما بناء جسور الدّبلوماسيّة الخارجيّة.
على البلاد ان تصون علاقاتها التّاريخيّة وتحافظ على متانتها، لا أن تفتح خطوطًا دبلوماسيّة غريبة غربًا، وخطوطًا اقتصاديّة غير متجانسة جنوبًا، الأمر الذي أثار الغضب والاستفزاز شرقًا في روسيا، ما جعلهم يتركون الأعداء والمتحالفين الجدد ينقضّون على البلاد ويتركونهم كردّة فعل واقتصاص من الأفعال الأخيرة.
وربّما بعد هذه الأحداث قد تزيد أطماع الأطراف في القوقاز وخارجه، ما قد يسبّب حروبًا جديدة لا نهاية لها.
أمّا على صعيد مجلس الأمن والأمم المتّحدة، فيرى المراقبون صمتًا عميقًا، لا بل هناك حالة من المشاهدة عن بعد، وكلّ ما يحدث من مساعدات إنسانيّة تبقى خارج المعادلات الإقليميّة ولا تغيّر من الوضع المستجدّ شيئًا.
أخيرًا، مع مرور الوقت ومع اتّضاح الرؤية على السّاحة الدّوليّة، أوّل ما سنشهده هو احتجاجات شعبيّة كبيرة تعمّ البلاد، وسنرى فيها العنف بكلّ أشكاله، حتّى يتمّ خلع المعنيّين بهذا التّخاذل الذي أسقط أرتساخ.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك