كتبت راجانا حمية في "الأخبار":
في المشهد الأول (2019): 200 «نزيل» يهرعون من أمام عيون المتلصّصين وعدسات الكاميرات التي توثّق قهرهم في مستشفى الفنار للأمراض العقلية والعصبية، فيما وزير الصحة الأسبق، جميل جبق، يعلن المستشفى مبنى غير صالح لـ«البشر»، موصياً بإقفاله وتوزيع المرضى على مستشفيات ومراكز أخرى. المشهد الثاني (2021): 67 نزيلاً، هم للمفارقة النزلاء أنفسهم الذين جرى إجلاؤهم من مستشفى الفنار، يختبرون الذل نفسه أمام عدسات الكاميرات، لكن هذه المرة من مستشفى سانتا ماريا الطبي في راس أسطا (قضاء جبيل) وهو المركز البديل الذي نقلوا إليه قبل عامين!
عامان يفصلان بين المشهدين. لم يتغير سوى اسمَي الوزيرين اللذين تعاقبا على تولي حقيبة وزارة الصحة واسم المستشفى. ما عدا ذلك، الصور نفسها: الهياكل البشرية التي صار عليها المرضى بسبب سوء الخدمات والخدمة التي يتلقّونها. أسرّة بالية تتآكلها الأوساخ. مراحيض متسخة. أدوية منتهية الصلاحية. والأهم من كل ذلك، المكان الذي يشبه الحظيرة والذي لا يصلح لإقامة إنسانٍ.
في التفاصيل التي يرويها مدير المستشفى جوزف حرب، يشير إلى أنه خلال العامين الماضيين «كانت الحياة ولا أروع في المركز»، إلى «الشهرين الأخيرين»، عندما صار «عنّا شويّة تقصير، فتراجعت نوعية بعض الخدمات، مثل نوعية الأكل لا كميته، ولم نعد نطبخ كل يومٍ باللحم والدجاج»! وإذ يعترف حرب بـ«شوية التقصير»، إلا أنه يحمّل المسؤولية للوزارة الوصية على المستشفيات التي تصنف «فئة ثانية»، مشيراً إلى أن المستشفى «لم يتقاضَ مستحقاته من الدولة عن عام 2021 برغم مرور عشرة أشهرٍ من السنة». ويلفت إلى التكاليف التي «لم تعد تفي بها المليون ليرة شهرياً التي حددت لكل مريض من قبل الوزارة. في ظل الأزمة الحالية، باتت كلفة المريض نحو 6 ملايين ليرة بين أكل وإنارة وغيرهما من الخدمات».
قبل نحو شهرٍ، أرسل حرب إلى وزارة الصحة العامة كتاباً يعلمها فيه بعدم القدرة على الاستمرار، وجاء الجواب بـ«دعوتي إلى الوزارة لعقد اجتماع تقييمي تخلّله إعداد دراسة عن كلفة كل مريض. وقد اعترف المجتمعون بأن الكلفة تقارب خمسة ملايين ليرة». إلا أن الاجتماع لم ينته إلى قرارٍ عملي لمعالجة الوضع، فاقترح حرب «الاتصال بأهالي المرضى لنقلهم إلى مراكز أخرى، إلا أن أحداً من المراكز التي حاول بعض الأهالي نقل ذويهم إليها لم يعط موافقة على أي طلب نقل على حساب وزارة الصحة بسبب الكلفة المتدنية».
مسؤولية من ما يحصل؟ بالعودة إلى أزمة الفنار والأزمات التي لحقت بمستشفيات ومراكز تابعة لوزارة الصحة، وتزامنت مع تولّي حمد حسن الوزارة، أصدر الأخير قراراً بتشكيل لجنة لمراقبة عمل المستشفيات والمراكز والمؤسسات التابعة لوزارة الصحة، على أن ترفع تقارير دورية عن تلك المؤسسات. إلا أنه على ما يبدو، بحسب مصادر في الوزارة، «لم يكن هنالك الكثير ليقال»! والدليل أن مستشفى «سانتا ماريا» حيث يفترض أن سوء الخدمات لم يكن حصيلة يومٍ واحد «لم يصدر أيّ تقرير حوله». وقد حاولت «الأخبار» التواصل مع بعض أعضاء اللجنة، إلا أنها لم تلق أي جواب.
إلى ذلك، لم تشهد السقوف المالية لمستشفيات «الفئة الثانية» أية تعديلات، إذ إنه في آخر تعديل للسقوف التي طالت عدداً من المستشفيات، لم يكن لتلك الأخيرة أية نسبٍ من التعديل. وتلك حكاية أخرى، وإن كانت لا تبرر الذلّ الذي يمارسه أصحاب تلك المستشفيات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك