عاد مطلب إنشاء مجلس الشيوخ إلى الواجهة من جديد، لا سيما من قِبل الحزب التقدمي الإشتراكي، حيث دعا رئيسه النائب تيمور جنبلاط منذ أيام إلى ضرورة أن يبصر هذا المجلس النور، مشدداً على أن هذا المطلب ليس خاصاً إنما إصلاحياً.
حضر هذا المطلب أيضاً في جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام، من قِبل عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب وائل أبو فاعور، وأما اللافت فكان تفاعل سلام ووعده بمتابعة هذه القضية.
وشدد أبو فاعور، في حديث لموقع mtv، على أن مجلس الشيوخ يقتضي أن يكون في طليعة الإصلاحات اللازمة لمعالجة عيوب اتفاق الطائف الذي لم تُطبَّق كل بنوده.
وأشار إلى أن إنشاء مجلس الشيوخ يضمن التمثيل العادل للطوائف، في حين يؤمن مجلس النواب المشاركة الوطنية غير الطائفية.
وأوضح أبو فاعور أن "مجلس الشيوخ مطلب إصلاحي ووطني لكي تتحرّك حياتنا السياسية والوطنية المشتركة قدماً نحو حد أدنى من المواطنة"، لافتاً إلى أنه خطوة أولى أساسية ومطلوبة على خطى الانتماء الى الدولة اللبنانية الجامعة والعبور نحو الدولة المدنية لا الطائفية.
وقال أبو فاعور: "ننتظر الإجراءات العملية من الحكومة بعد التزام رئيسها بهذا الأمر في جلسة الثقة".
يُعتَبَر مجلس الشيوخ أحد الإصلاحات الأساسية التي أدخلها اتفاق الطائف إلى نظام الحكم في لبنان بعد الحرب الأهلية، لضمان تمثيل العائلات الروحية اللبنانية وفي الوقت نفسه تحرير النظام السياسي من الطائفية السياسية وتأمين انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي.
أوضح الباحث والكاتب رشيد حسن، عبر موقع mtv، أن ذكر مجلس الشيوخ ورد في اتفاق الطائف في المادة 7 التي نصت على ما يلي: "مع انتخاب أول مجلس نيابي على أساس وطني لا طائفي يُستحدَث مجلس شيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية". وعلّق حسن قائلاً: "كما يتضح فإن الإشارة إلى مجلس الشيوخ جاءت عابرة ولم تُرفَق بأي أحكام مثل تكوين المجلس وطريقة اختيار أعضائه والتصويت على "المسائل المصيرية" وتمثيل الطوائف فيه، وغير ذلك مما قد يجعل من المجلس في حال وجود تلك البنود التفصيلية مؤسسة لها تأثيرها".
تعتبر طائفة الموحدين الدروز أن رئاسة مجلس الشيوخ يجب أن تكون درزية، بحكم عرف اتُفق عليه بعد الحرب وقبل إدراجه في اتفاق الطائف.
وكانت صدرت مذكرة عن الهيئة العليا للطائفة الدرزية، وكانت تضم شيخ عقل الطائفة الدرزية محمد أبو شقرا، الأمير مجيد أرسلان والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورُفعت يومها إلى المسؤولين في أيار 1983، وطالبت بأن "تكون رئاسة مجلس الشيوخ لدرزي، ما دام توزيع الرئاسات على أساس طائفي".
ويقول جنبلاط بهذا الخصوص: "أصرّينا على مطلب مجلس الشيوخ وساعدنا في هذا المجال الشهيد رفيق الحريري والقيادة السعوديّة، وعليه وُضع مبدأ مجلس الشيوخ لكنه رُبط بالبند القائل: مع إنتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلسٌ للشيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحيّة وتنحصر صلاحياته بالقضايا المصيريّة".
في المقابل تطالب الطائفة الأورثوذكسية برئاسة مجلس الشيوخ أيضاً، إلا أن حسن يوضح أن "اقتراح أن توكَل رئاسة المجلس إلى الطائفة الدرزية لم يرد نصاً في اتفاق الطائف لكن أثير كبند ضمني مما اعتبر ترضية معنوية للطائفة الكريمة التي خرجت قوية من الأحداث التي سبقت اجتماع الطائف".
لكن المفارقة أن هذا المطلب لم يبصر النور منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، ولم تُتَخذ خطوات عملية بهذا الاتجاه، ومن هنا يكتسب وعد نواف سلام أهمية خاصة هذه المرة.
وتعليقاً على هذا التغييب لمطلب مجلس الشيوخ طوال العقود الثلاثة الماضية، يقول حسن: "لذلك يجب القول إن مجلس الشيوخ في الدستور اللبناني لا وجود حقيقيّ له. هو فكرة "سرابية" طالما أنه مجرد بند نظري معلّق على سراب آخر هو "انتخاب أول مجلس نيابي لا طائفي" في لبنان. وهو احتمال غير وارد بدليل أن دستور الطائف يقوم من الأساس على اعتبار الطائفية السياسية أساس النظام السياسي في لبنان".
ويضيف حسن: "أما اعتبار أن مجلس الشيوخ استحدث للتخفيف من الطائفية السياسية فهو أيضا مغالطة كبيرة إذ أن تمثيل كافة العائلات الروحية في لبنان بغض النظر عن عدد أفراها لا يكفي للتخفيف من الطغيان العددي للطوائف الثلاث الرئيسة، طالما أن مجلس الشيوخ هو صيغة شكلية بلا صلاحيات ولن يكون في أي حال مجلساً موازياً لمجلس النواب".
يعبّر الرئيس سلام عن قناعته صراحة بضرورة اتخاذ هذه الخطوة، وقد دعا في كتابه "لبنان ما بين الأمس والغد" الى "وجوب الانتقال إلى نظام المجلسين كما تنص عليه المادة 22 من الدستور، ما يضمن أن يؤمن مجلس الشيوخ المطلوب إنشاؤه التمثيل العادل للطوائف في حين يؤمن مجلس النواب المشاركة الوطنية غير الطائفية".
أما وقد دخل لبنان في مرحلة جديدة من تاريخه، وبعد سنوات على تغييب مجلس الشيوخ في الأدراج، هل يكون الوقت قد حان فعلاً كي يبصر النور؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك