خرجت الجموع إلى الشارع في لبنان، دون خجل أو خوف أو تردّد، خرجوا للمطالبة بحاجاتهم التي تصنّف في خانة الحقوق، من طبابة وضمان شيخوخة، ماء، كهرباء وغير ذلك؛ وحّدَ الحرمان وعدم القدرة على التحمّل الجميع، فكانت الثورة الشعبية هي النتيجة. «طفح الكيل»، قالت مشاركة في بداية الخمسينات من العمر، «نحنا عشنا سنين الحرب الفعلية، بس ما مرق علينا ذل وعجز متل يللي عم نحسو اليوم، مش رح نوقف الإعتصامات تا نحصّل كل حقوقنا».
عندما نمرّ بظروف صعبة ننتبه إلى أننا لم نعد نحتمل، خصوصاً في حال طالت معاناتنا من ظرف معين أو واجهنا المشكلات والصعوبات الواحدة تلو الأخرى، فنستنزف قوانا وصبرنا، ونشعر بالإرهاق والتعب وعدم القدرة على الإستمرار؛ «لن أعيش معه يوماً واحداً بعد الآن، يستفزني ويهينني أمام أولادي، وقد كرّرها كثيراً في هذه الفترة، لم أعد أحتمل المزيد»، تشتكي سارة من زوجها الذي لم يغيّر سلوكه تجاهها بالرغم من وعوده المتكررة بذلك.
كما قد نفقد القدرة على الإستمرار بوضع معيّن بسبب خيبات الأمل المتتالية وفقدان الثقة، تماماً كما يحصل الآن في المجتمع اللبناني. فقد توالى تقاعس من هم في مراكز السلطة، ما أفقدهم القدرة على إرضاء القاعدة الشعبية، «خلص بدنا نقلب الطاولة، ما بقى نصدقن، ولا رح نخاف منن»، في إشارة إلى عدم إعطاء المزيد من الفرص للطبقة الحاكمة الحالية».
كذلك قد نفقد الطاقة نتيجة لتعرضنا لضربات موجعة الواحدة تلو الأخرى، ما قد يؤدي إلى الإحباط والإكتئاب أحياناً، مرفقاً بعدم الرغبة بالحياة. فقد فقدت سمر شقيقتها الأقرب إليها بعد إصابتها بمرض عضال، وما لبث أن فارق والدها الحياة إثر عارض صحي، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل تعرّضت والدتها لحادث جعلها طريحة الفراش لعدة أشهر، ما أفقدها القدرة على متابعة متطلبات الحياة اليومية، وأدّى بها إلى زيارة الطبيب النفسي وتناول أدوية مضادة للإكتئاب.
تُعتبر المرونة من الصفات الشخصية الأهم التي تساعد في تخطي الصعوبات، والتحلّي بالإيجابية، وذلك من خلال القدرة على تقبّل الآخر وتفهّم ظروفه وميوله، بالرغم من اختلافه، واستيعاب وقبول الأحداث والصعوبات في الحياة، والأهم من ذلك هو التركيز على الحلول وعلى النهايات، وعدم الدوران في حلقة مفرغة من الشكوى والضعف والإستسلام. ومن المهم بمكان ما الإبتعاد عن الأشخاص السلبيين الذين يشحنون حالتنا النفسية بسموم الحقد والغضب والحزن.
يتمتع طوني بمهارة الإصغاء إلى صوت المنطق، وهو عندما يواجه مشكلة معينة لا يقع ضحية الإنفعال والغضب، بل يفكر بموضوعية، بالسبب المنطقي للحالة والحل الأمثل لها، لذلك تستعين به مجموعة من الرفاق لعلاج أي تصادم في ما بينهم. وما يزيده تميّزاً هو تلك الإبتسامة الواثقة والهادئة، التي تنعكس شعوراً بالراحة عند من يلتقي به ويحاوره.
تلعب تجاربنا السابقة دوراً أساسياً عند مواجهة الأحداث، وذلك قد يكون نتيجة لتعرّضنا لصدمة نفسية. إلتزمت سلمى بيتها منذ بدء الثورة في 17 تشرين، وتسمّرت أمام التلفزيون تتابع الأخبار «ما بنسى لما خبروني إنو ماتت صديقتي بعد ما رجعت من الحركة للمطالبة بحقوق المرأة، من كم سنة، من وقتا بخاف كتير كل ما شوف تجمع أو مظاهرة».
نفقد قدرتنا على التحمّل عندما نعتمد نمطاً غير سليم في حياتنا اليومية، فلصحتنا النفسية حق علينا، إذ نحن نستحق الراحة بين أزمة وأخرى، ولا بأس من الإعتراف بالتعب عندما نشعر به، ولنتذكر دائماً إعطاء أنفسنا قسطاً من الراحة، لنقدّم لذواتنا بعض الهدايا، كالسفر مثلا، بالإضافة إلى الإسترخاء مهما كانت الظروف، وسماع الموسيقى مع عدم إغفال القيام ببعض التمارين الرياضية، أقله المشي في الطبيعة بين وقت وآخر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك