يعود الحديث عن "الظاهرة" زياد الرحباني مع عرض مسرحيّة "فيلم أميركي الطويل" على شاشة السينما. أمس الإثنين كان العرض الأول للفيلم.
كان زياد الرحباني بطل جيلنا الذي ترعرع تحت شجرة من كلماته كنّا نقطفها ونعصرها ونرتشف أفكاره لنحوّلها الى كريات بيضاء وحمراء، وسط هذا الدم الفاسد من الطائفيّة وأخواتها. وتعلّمنا منه كيف نسخر ونرفض ونثور، ونحتجّ ونعشق ونضجر...
كنّا فتياناً نسهر على سماع "نزل السرور"، ونقلب الشريط عشرات بل مئات المرات ولم نكن نصدّق أنّ البلد هو هذا الفندق، هذا النزل. وكنّا نصغي، وسط ضجيج المدافع، الى "بالنسبة لبكرا شو؟" و"فيلم أميركي طويل" و"شي فاشل" وحلقات "العقل زينة" الإذاعيّة، وكنّا نكبر سنة بعد أخرى وعمر الحرب يكبر معنا يوماً بعد يوم، وهو معنا عبر الأثير يلوّح لنا من بعيد: "جايي مع الشعب المسكين، جايي تأعرف أرضي لمين، لمين عم بيموتو ولادي بأرض بلادي جوعانين".
وحين سمعنا، في "فيلم أميركي طويل"، رشيد، "ملك الساحة اللبنانيّة"، أردنا أن نسأله كيف نهرب من مستشفى الجمهوريّة من دون أن يضبطنا الأطباء والممرضات؟ كيف نتحصّن ضدّ العنصريّة والمذهبيّة والفتن اللبنانيّة؟ كيف نستخرج وعود السياسيّين وأكاذيبهم التي تجري في دمنا كنهرٍ خجول وسط شرايين تزرقّ يوماً بعد يوم؟
لقد أصبحنا انعزاليّين، أو نكاد، وصرنا في الزاوية مهملين كسلّة وردٍ ذابلة بعد حفلة عرس، مع أنّي أعترف وباسم كثيرين، أنّ الحرب مرّت عليّ من دون أن أحتلّ شقة جارنا المنتمي الى طائفة غير طائفتي. ولم أسجّل اسمي في وزارة المهجرين كي أستحصل على تعويضٍ لا أستحقّه. ولم أغتصب ابنة الجيران قبل تهجيرها. ولم أنشل أساور العجوز المرتجفة وحدها بعد مجزرة...
فيا زياد، أين ستحرث وسط هذا الاسفلت الأسود؟ ايّ كلمة ستزرع وسط هذه المكبّات؟ وتلك السماء المغطاة بالطائرات التي تنقل السيّاح الذين يلتقطون صوراً تذكاريّة لهذا الشعب الذي يشتم النوّاب نهار السبت وينتخبهم نهار الأحد؟ وهذا البلد من فنادق خمسة نجوم ومواطنوه من تحت الصفر؟
هل فعلاً "في أمل"؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك