بدا السجال الاخير بين عين التينة وبكركي "علامة فارقة" في المشهد السياسي، لا سيما ان كلا من الرئيس نبيه بري والبطريرك الماروني بشارة الراعي كان يحرص على عدم الانزلاق الى اي خلاف علني، بحيث ان التباينات الموضعية بينهما كانت تُزود بـ "كواتم صوت"، تُبقي المآخذ المتبادلة مقيمة ضمن الغرف المغلقة.
صحيح ان شيئا من الجفاء والجفاف يطبع علاقة بري ـ الراعي منذ فترة، لاسباب متراكمة، إلا ان اللغة المتوترة التي خرجت الى العلن هي من النوع غير المألوف في أدبيات التخاطب بين بكركي وعين التينة.
ولأن ما حصل كان مفاجئا، فإن العديد من الوسطاء تطوعوا تلقائيا للدخول على خط احتواء التشنج المستجد وتوضيح ملابسات "السلة" والتباساتها، بعدما أدى التباين في تعريف محتواها الى سوء تفاهم، عكسه الراعي في عظة الاحد الشهيرة والتي استدعت ردا سياسيا "مكثفا" من رئيس المجلس.
وقد نجحت شروحات الوسطاء في تقريب المسافة بين عين التينة وبكركي وإعادة ضبط إيقاع العلاقة التي خرجت عن "النوتة" لبعض الوقت، بعدما تبين ان ضُعف التواصل ساهم في تكوين انطباعات خاطئة، خصوصا لدى بكركي التي قاربت "السلة" من زاوية مغايرة لتلك التي يطل منها رئيس المجلس.
شعرت الكنيسة المارونية بأن "السلة" تهدد صلاحيات رئيس الجمهورية التي لم تعد تحتمل - برأيها - اي قضم لها بعدما أدت التعديلات الدستورية (الطائف) الى تحجيمها، فكان لا بد من ان تدق الجرس، ولكنه جرس الانذار.. هذه المرة.
سارع أحد الوسطاء الى زيارة الراعي، بعد عين التينة، مؤكدا له انه ليست لدى بري اي نية في تقييد صلاحيات الرئيس، وأن ما قصده مغاير كليا لما استنتجه البطريرك. وشرح الوسيط وجهة نظر بري الذي يعتبر نفسه من أشد الملتزمين بالدستور، والدليل ان كتلته النيابية لم تقاطع ايا من جلسات انتخاب الرئيس، بل هي كانت حريصة على المشاركة فيها جميعها، في حين ان غيرها هو من لا يطبق الدستور ولا ينزل الى المجلس.
ووفق مقاربة بري، المنقولة الى الراعي، فهو كان جاهزا منذ البداية لخوض اللعبة الديموقراطية وفق الأصول، "بحيث ننزل جميعا الى المجلس ونؤمن النصاب من دون شروط مسبقة، ثم يجري الانتخاب ونهنئ من يفوز بأكثرية الاصوات، أما وأن البعض رفض سلوك هذا المسار واشترط علينا انتخاب مرشح بعينه وإلا لا يكون لدينا رئيس، فقد بات من حقي عندها ان أطلب ضمانات او تفاهمات مسبقة حتى أوافق على التصويت للمرشح المطروح، وإذا كان هناك من يجتهد في تفسير الامور وفق ما يناسبه.. فإن من حقي ان تكون لي أيضا اجتهاداتي"...
ويؤكد صديق مشترك لبري والراعي ان الرجلين يلتقيان منذ اليوم الاول للشغور الرئاسي حول أمرين أساسيين: الاول، وجوب انتخاب رئيس الجمهورية فورا، والثاني، ضرورة المشاركة في جلسات الانتخاب وتأمين نصابها، معتبرا ان هذه المساحة كافية لجمع الرجلين فوق أرضية مشتركة ومعالجة أي "انزياحات" طارئة.
ويشير الصديق - الوسيط الى ان السجال مرّ بأقل الخسائر الممكنة، موضحا انه لم يجد اي صعوبة في تقريب وجهات النظر بين الراعي وبري، بعدما لمس لدى كل منهما رغبة في تطويق الخلاف الذي حصل ومنع تفاقمه، ومشددا على انه لا توجد "مشكلة بنيوية" على خط بكركي ـ عين التينة.
ويلفت الانتباه الى ان تعبير "السلة" قد يكون ثقيل الوطأة على بكركي لانه يوحي لها بانطباعات سلبية، لكن مضمونه واقعي ولا يمكن تجاهله، إذ من الطبيعي ان تنادي بعض القوى السياسية الاساسية بمطالب محددة او بتوافقات مسبقة على الخطوط العريضة للعهد الجديد، في مقابل ان تمنح أصواتها للمرشح الرئاسي، خصوصا إذا لم يكن هذا المرشح هو خيارها الاصلي في الاساس كما هي حال بري مع العماد ميشال عون.
(عماد مرمل – السفير)
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك