كتبت "المركزية":
في مشهد محزن التهمت النيران مساحات خضراء شاسعة في مختلف المناطق نهاية الأسبوع الماضي، وبلغ عدد الحرائق ٩٣ من بينها ٣٥ في غابات الجنوب والبقاع الغربي والمتن وكسروان وعكار بحسب تقرير أولي لوزارة البيئة.
وزير البيئة ناصر ياسين أشار إلى أن "الحرائق اندلعت رغم اننا كنا نرسل مؤشر الحرائق أسبوعياً الا أن العوامل المناخية لم تساعد في اطفائها، هذا ليس عذراً، لكن المشكلة الاساسية هي ان استراتيجية الوقاية لم تفعل وتطبق"، موضحاً أن "الحرارة المرتفعة والجفاف والرياح ساهمت في انتشار الحرائق مع إطلاق شرارة بفعل تدخل إنساني قد يكون متعمداً أم لا. وسننشر تقريراً مفصلاً قريباً"، مؤكداً أن "البلد غير جاهز للكوارث ونحن بحاجة لمأموري أحراج".
اليوم تجددت الحرائق في خراج بلدة باب مارع في البقاع الغربي، واندلع حريق بين بلدتي جبرائيل وضهر الليسنة، أتى على مساحة واسعة من اعشاب وأشجار برية مختلفة. وتواجه عناصر الدفاع المدني صعوبة في العمل نتيجة وعورة الموقع.
واذا كان مشهد الغابات المحترقة يدمي قلوب اللبنانيين الموجوعين جراء سبحة الازمات التي تضربهم يوميا على المستويات كافة، فإن تداعيات الحرائق تصيب بيئتهم ايضا في الصميم فكيف يقرأها الخبراء؟
مؤسّس "جمعية الأرض - لبنان" ورئيس "الحركة البيئية اللبنانية" بول أبي راشد يوضح لـ"المركزية" أن "في عالم البيئة يقال "فكّر عالمياً ونفّذ محلّياً"، بالتالي لا يمكن حصر التفكير البيئي بلبنان، بل يجب أن يكون دائماً على صعيد عام وبعدها ندخل في الخاص. في العام يواجه كوكب الأرض مشكلتين فاقمتها الحرائق المحلية: أوّلاً، التغيّر المناخي. في الأساس تغيّر المناخ هو العامل الذي ساعد على سرعة انتشار الحرائق وعنفها، إذ إن الطقس غير طبيعي في هذا الشهر فالهواء أقوى والحرارة أعلى. لذا، الحرائق المحلية زادت الطين بلّة وباتت الجورة التي نحن فيها أعمق عوض المساعدة على الخروج منها، وأدّى ذلك إلى ارتفاع نسب التلوث ما يؤثر سلباً على التغير المناخي حيث حصلت انبعاثات إضافية في الدخان المتصاعد بالكربون، وساهمنا في زيادة الغازات الدفيئة اي أن مناخ الكوكب سيصبح أسوأ. المشكلة الثانية تتمثّل باختفاء وخسارة التنوّع البيولوجي. هو أساساً في خطر، والحرائق في لبنان أدّت إلى احتراق نباتات طبية، وأعشاش طيور، والمساكن الطبيعية للحشرات والزواحف والحيونات البرية...".
ويواصل أبي راشد تعداد النتائج على الصعيد المحلي، قائلاً "ثالثاً، ومع اقتراب الشتاء كان الغطاء الأخضر يثبّت التربة ويحافظ عليها، وتحتاج الطبيعة إلى 400 سنة لتكوين سنتيمتر واحد من التراب الخصب. وفي غياب الغطاء ستجرف مياه الشتاء هذا التراب إلى البحر وسنخسره. تأتي بعد هذه الخسارة مباشرةً خسارة المياه الجوفية وتقلّص كمياتها، حيث أن التراب والخضار كانا يساعدان على تسرّب المياه إلى المخازن الجوفية. رابعاً، سيكون للحرائق تأثير سلبي على السياحة البيئية التي كانت تساعد الاقتصاد في ظلّ غياب الصناعة ومصادر الدخل الأخرى، وهو عامل كان يجذب السياح لا سيما العرب الذين يفتقرون الى المساحات الخضراء كما المغتربون في هذه البلدان. خامساً، نخسر موارد مالية تؤمنها لنا الطبيعة، إذ إن العديد من نباتاتها تباع مثل الزعتر والقصعين وصولاً إلى شجر الزيتون وغيرها الكثير من النباتات الطبية".
أما بالنسبة إلى تقلّص المساحات الخضراء في لبنان فلفت إلى أن "منذ سنوات كنا نتحدّث عن نسبة 13%، الأكيد أن هذا الرقم تراجع كثيراً وكلّ حملات التشجير لا تكفي لتعويض ما خسرناه، وعلى مراكز الأبحاث ووزارة الزراعة أو غيرها تحديد النسب الجديدة".
وعن كيفية تعويض ما خسرناه بسبب الحرائق، خصوصاً أن وزير الزراعة تحدّث اليوم خلال جولته في بيت مري عن تشجير وإعادة تحريج، شرح أبي راشد أن "موضوع التشجير دقيق، ومشاريعه تستقطب أموال المساعدات الخارجية، فإذا طالبنا بمساعدات من منظمات دولية لحماية الأحراج مثلاً لا يكون التجاوب بحجم الأموال التي تقدم لإنشاء مشاتل يزرع فيها بالكاد نصف عديد الأشجار على عكس التنوع في الغابات. لذا، حماية الغابة ومساعدتها على التجدد يكون أحياناً أرخص بكثير وأجدى من حملات تشجير تفشل في الكثير من الأحيان، خصوصاً أن لا يمكن ريّ الأشجار في الأحراج. من هنا تأتي ضرورة اعتماد طرق ذكية من ضمنها حماية الغابات المجاروة للمناطق التي احترقت. والتنوع البيولوجي مع الهواء والطيور والزواحف كافٍ لنقل البذور والمساهمة لتعيد الغابات تجديد نفسها خلال فترة زمنية قصيرة وتبدأ من السنة الأولى وبعض أصناف الأشجار تفرّخ مباشرةً لا سيما الأشجار الورقية أما الصمغية فمن الصعب أن تتجدد. وإذا قُيِّمت بعض المساحات وتبيّن أن من المستحيل أن تجدد نفسها هنا يأتي دور المشاريع المدروسة لإعادة التشجير".
وعن خطر تجدد الحرائق أو نشوب أخرى جديدة، اوضح أن "إذا صدقت التّوقعات بأن الطقس سيتبدّل ابتداء من يوم الجمعة المقبل يكون الموسم انتهى ونتمنّى ذلك لأن ما حدث في نصف تشرين الأول 2020 يحدث في نصف تشرين الثاني 2021 وأكثر. ولا يمكن التكهن بما ينتظرنا بسبب التغيير المناخي. الأهم التجهّز بجدية بالمراقبة والمعدّات لمواجهة الحرائق...".
وتطرّق أبي راشد إلى أهمية الاستراتيجية الوقائية والتجهيز لمنع اندلاع الحرائق أو السيطرة عليها سريعاً، مستشهداً بمثل تفجير المرفأ، قائلاً: "على غرار ما حدث في مرفأ بيروت حيث علمت جهات مسؤولة بوجود نترات الأمونيوم وقصّرت من دون أن تخرجه فانفجر، الأمر نفسه ينطبق على الأحراج، حيث أن هناك جهات مسؤولة لم تعيّن حراس أحراج ولم تسوّ أوضاع الدفاع المدني ولم تقم بصيانة للطوافات وهدرت الأموال بدل استخدامها لتمويل آليات ومعدات إطفاء... عدم اتخاذ هذه القرارات يحمّلها مسؤولية الحرائق".
أما في ما خصّ اعتماد عبارة "تدخّل إنساني" وليس "حريق مفتعل"، فرأى أن "اللغط حول كلمة مفتعل أو غير مفتعل، وهي عكس كلمة طبيعي حين تتسبب الصواعق مثلاً بالحرائق أو ما حدث في مرج بسري حين انقطع خطّ توتر وأشعل الغابة. لكن، عندما يرمي شخص سيجارة أو يولّع الحشيش اليابس في بستانه لا يقصد حرق غابة لكنه يسمّى حريقا مفتعلا. ونسمع فرضية افتعال الحرائق للتحطيب، لكن الحطب المحروق يفقد الكربون الذي في داخله وبالتالي حطب الغابة الحية يفيد أكثر، ولا نعارض التحطيب بل المطلوب تنظيمه. أما احتمال أن يكون شخص ما في ضيعة معينة أحرق غابة لتغيير حدود الأراضي أو سرقة أملاك الدولة فوارد... الأسباب كثيرة لكن الأهم أن نكون على جهوزية للإطفاء ومحاسبة المرتكبين".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك