"الأنباء الكويتية":
تكتسب الانتخابات النيابية المقبلة التي حدد موعدها مبدئيا في 27 آذار أهمية قصوى لم يسبق أن اكتسبتها أي انتخابات نيابية من قبل، وينظر إليها كمحطة مفصلية واستحقاق حاسم، وكأهم انتخابات يشهدها لبنان منذ العام 2005 للأسباب التالية:
٭ هذه أول انتخابات تجري بعد الانتفاضة الشعبية العارمة التي حدثت قبل سنتين ولم يتح لها أن تكتمل في الشارع وأن تحقق أهدافها، ولم يعد أمامها إلا صناديق الاقتراع لتحقيق هدفها الرئيسي في تغيير الطبقة السياسية الحاكمة وإعادة تكوين السلطة. وبالتالي، فإن الانتخابات تشكل فرصة سانحة لتحديد اتجاهات الرأي العام بعد كل الأزمات والمتغيرات التي حدثت في العامين الماضيين، ولمعرفة حجم التغيير الشعبي الذي حدث وكيف سيترجم في الخارطة النيابية المقبلة.
٭ هذه الانتخابات تحدد مصير الأكثرية النيابية الحالية التي حازها حزب الله منذ أربع سنوات، ومن الممكن أن يفقدها.
٭ تأثير الانتخابات النيابية بشكل مباشر على انتخابات رئاسة الجمهورية التي تليها بعد أشهر معدودة وقبل نهاية أكتوبر 2022. والطرف الذي يكسب معركة البرلمان الجديد سيعزز فرصه وأوراقه في الاستحقاق الرئاسي ودوره في تحديد هوية الرئيس الجديد.
٭ النظر إلى الانتخابات المقبلة والتعاطي معها من جانب المجتمع الدولي على أنها نقطة الانطلاق في عملية الإصلاحات وتصحيح مسار الأوضاع وإعادة بناء الدولة. وبالتالي، فإن الحكومة الحالية ليست أكثر من حكومة انتخابات، وأقصى وأفضل ما يمكن أن تفعله هو إيصال البلاد الى هذه المحطة، وبعدها تبدأ مرحلة الإصلاحات والمعالجات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتكتمل عملية انتقال السلطة مع تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
بقدر ما تعلق الأهمية والآمال على الانتخابات النيابية، بقدر ما تشتد المخاوف وحالة القلق حولها. وفي الواقع، فإن هناك في الفترة الأخيرة شكوكا متعاظمة بشأن مصيرها وشعورا، لا بل اعتقادا، متزايدا بأن احتمال عدم إجراء الانتخابات بات يتقدم على إجرائها، واستنادا الى التطورات غير المطمئنة وعلى أكثر من مستوى سياسي (تعطل الحكومة وتحولها عمليا الى حكومة تصريف أعمال)، وأمني (الأحداث المتنقلة وكان أخطرها أحداث الطيونة ـ عين الرمانة)، وقضائي (الانقسام والتخبط داخل السلطة القضائية على خلفية تحقيقات المرفأ والموقف من المحقق العدلي طارق بيطار)، ودستوري ـ سياسي (الخلاف حول تعديلات قانون الانتخابات وموعدها والطعن الذي سيقدمه تكتل «لبنان القوي» أمام المجلس الدستوري، مع ما سيسببه ذلك من تأثير على المهل، إضافة إلى احتمال حصول انقسام داخل المجلس الدستوري، أو تطيير نصاب جلسته لتطيير محاولة تأجيل الانتخابات إلى مايو المقبل.. وبعد كل ذلك، وفي حال عدم التئام المجلس الدستوري للنظر في الطعن المقدم وعودة الكرة إلى ملعب رئيس الجمهورية، حين يوضع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على طاولته ويربط توقيعه بتأجيل الموعد إلى مايو). الدوائر الديبلوماسية في بيروت بدأت التداول باحتمال إلغاء الانتخابات. وبالتوازي، بدأت الإشارات الدولية تصدر محذرة من ذهاب الأمور في هذا المنحى، وملوحة بإجراءات وعقوبات تطول المسؤولين عن نسف الانتخابات وبإعلان لبنان دولة فاشلة. والرسالة الدولية واضحة في أن الانتخابات محطة لا يمكن القفز فوقها ومن دونها لن يكون هناك صندوق نقد ولا مفاوضات ولا مساعدات.
الأوساط السياسية في لبنان، وتحديدا أوساط المعارضة التي بدأت تنتظم وتجمع شتاتها تحت العنوان «السيادي»، تبدي أيضا الخشية من احتمال تطيير الانتخابات، وبدأت تضعه في حسابها، وترده بشكل أساسي إلى تطورات تدفع حزب الله إلى اتخاذ هذا القرار وذات صلة بالداخل مع تبدل المناخات الشعبية بعد أحداث الطيونة والأزمة مع السعودية، ولها صلة بالإقليم بعد انتخابات العراق التي خسرت فيها الجماعات الموالية لإيران. وفي تقدير هذه الأوساط أن حزب الله له مصلحة في عدم إجراء الانتخابات حتى لا يخسر الأكثرية النيابية، ويقوم المجلس النيابي الحالي بانتخاب الرئيس الجديد. ولكن ما حدث في العام 2013، كما تقول هذه الأوساط، عندما تم التمديد للمجلس النيابي لن يتكرر في العام 2022، لأن الرد على تطيير الانتخابات سيكون بتطيير المجلس النيابي عبر استقالات جماعية فورية، وبالتالي الوقوع في الفراغ النيابي وقبله الفراغ الحكومي وبعده الفراغ الرئاسي. الانتخابات النيابية هي التي تحدد وجهة ومستقبل الوضع في لبنان: انتخابات وحكومة جديدة ورئيس جديد، أو لا انتخابات ولا حكومة ولا رئيس، والدخول في مرحلة انتقالية صعبة وغامضة، وفي ظل «انهيار كامل».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك