كتب سعد الياس في "القدس العربي":
حمل المشهد السياسي والأمني في لبنان هذا الأسبوع حدثين هامين: الأول الحديث عن تطبيق فعلي للقرار الدولي الرقم 1701 وإنشاء منطقة عازلة خالية من أسلحة حزب الله جنوب نهر الليطاني، والثاني إعلان “حركة حماس” في لبنان إطلاق “طلائع طوفان الأقصى” للمشاركة في تحرير القدس.
وما عزّز الحديث عن إنشاء المنطقة العازلة جنوب الليطاني هو تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي غوآف غالانت خلال لقائه مع رؤساء البلدات والمستوطنات الواقعة في الشمال “إننا سنُعيد الأمن إلى السكان من خلال ترتيب سياسي دولي لإبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني، استناداً إلى القرار الأممي 1701 وإذا لم ينجح هذا الترتيب، فإن إسرائيل ستتحرك عسكرياً لإبعاد الحزب من الحدود”.
وترافق موقف غالانت مع الرسالة التحذيرية التي حملها إلى بيروت رئيس المخابرات الفرنسية برنار إيمييه من مخاطر أي تصعيد على الحدود الجنوبية وضرورة تحييد لبنان عن الحرب، داعياً إلى إقامة المنطقة العازلة وسحب قوة الرضوان التابعة لحزب الله وتوسيع نشاط قوات "اليونيفل".
وبغض النظر عما نقله نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين الذي التقاه في دبي من “ان الكلام الفرنسي عن تهديدات بحال عدم انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني لم يكن منسقاً مع الأمريكيين، وأن القرار 1701 ليس على النار وان تعديله غير مطروح حالياً” يقلل حزب الله من أهمية كلام غالانت ويعتبره غير قابل للتنفيذ، ويضعه في خانة محاولة احتواء مخاوف سكان المستوطنات على الجبهة الشمالية ودفعهم للعودة إلى بيوتهم. ويستغرب الحزب التعاطي معه وكأنه “مهزوم” ليحاول البعض فرض شروط عليه، فيما هو واثق من قدراته العسكرية التي تعاظمت أضعاف ما كانت عليه في حرب تموز/يوليو عام 2006 ما جعله يخطط لعبور الحدود الجنوبية نحو منطقة الجليل وليس التراجع إلى شمال نهر الليطاني، داعياً “إلى التعامل مع القرار 1701 بميزان واحد وألا يكون لحساب إسرائيل وأمن مستوطناتها”.
انتهاكات إسرائيلية
وتسأل أوساط حزب الله “كيف للعدو الإسرائيلي العاجز عن الانتصار في غزة أن يعوّض بانتصار على الجبهة الشمالية؟”، مستبعدة “نجاح إسرائيل في فرض وقائع جديدة في جنوب لبنان وأن تستحصل من خلال رسائل سياسية وتحذيرية على ما لم تستطع الاستحصال عليه بالقوة العسكرية” ومشيرة إلى “أن قوة الرضوان مؤلفة من أبناء القرى والبلدات الحدودية التي تتعرض للاعتداءات وهم يقومون بالدفاع عن هذه القرى”.
واللافت أن حزب الله على الرغم من تلقّيه مثل هذه الرسائل التحذيرية لم يخفف من عملياته العسكرية ضد مواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي، بل حافظ على وتيرة هذه العمليات اليومية، وكأنه يقول إنه غير معني حالياً بأي طروحات حول القرار 1701 الذي سبق لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أن وافق عليه على مضض بهدف وقف الحرب عام 2006.
والواقع أن القرار 1701 تعرّض للانتهاك منذ إقراره من جانب كل من حزب الله وإسرائيل على السواء، وهذا ما وثّقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقريره الأخير الذي اتهم الطرفين اللبناني والإسرائيلي بأنهما “لم ينفذا كامل التزاماتهما بموجب القرار 1701 ولم يُحرَز أي تقدم نحو التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل”. وسجّل التقرير 131 انتهاكاً إسرائيلياً للقرار من خلال مواصلة إسرائيل خرق المجال الجوي اللبناني والسيادة اللبنانية، مقابل رصد 609 انتهاكات برية ارتكبها لبنانيون يرتدون الملابس المدنية عبروا إلى جنوب الخط الأزرق، بما يشمل 372 انتهاكاً ارتكبها رعاة ومزارعون و237 انتهاكاً ارتكبها أفراد آخرون.
طلائع طوفان الأقصى
أما الحدث الثاني الذي شهده لبنان في الأيام القليلة الماضية فهو بروز الإعلان المفاجئ عن “طلائع طوفان الأقصى” من قبل “حركة حماس” لاستقطاب الشباب الفلسطيني في المخيمات. وقد استدعى الإعلان عن هذه الطلائع عاصفة من الردود والتعليقات الرافضة لمثل هذه الخطوة شكلاً ومضموناً باعتبارها تمس بالسيادة اللبنانية وتسيء إلى العلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين في لحظة حرجة تستدعي أقصى درجات التضامن مع غزة والشعب الفلسطيني. وربط بعضهم بين بيان “حماس” وبين حزب الله الراغب في إيصال رسالة إلى من يعنيهم الأمر بأن البديل عن حضوره العسكري على الحدود هو ظهور “حماس لاند” في استرجاع لتجربة “فتح لاند”.
وإزاء هذا الرفض من قبل شريحة كبرى من اللبنانيين اضطر ممثل “حركة حماس” في لبنان أحمد عبد الهادي للتوضيح “أن طلائع طوفان الأقصى ليس تشكيلاً عسكرياً من أجل استيعاب مقاتلين وتدريبهم للانخراط في صفوف المقاومة المسلحة، وإنما هي إطار شعبي تعبوي فقط من أجل استيعاب الشباب الفلسطيني الذي أقبل على حركة حماس متأثراً ببطولات المقاومة”. وأكد “أن حماس لن تتخذ قراراً بالرجوع إلى الوراء لأنها تحترم سيادة وقانون لبنان”.
ومن المعروف أن “إعلان فلسطين” الذي وُقّع عام 2008 أكد بوضوح الالتزام الكامل بلا تحفظ بسيادة لبنان واستقلاله وأن السلاح الفلسطيني ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، داعياً إلى تجاوز الماضي بأخطائه وخطاياه والانفتاح الصادق على مصالحة في العمق تليق بالشعبين اللبناني والفلسطيني.
إلى ذلك، يستبعد مَن واكب مرحلة اتفاق القاهرة الذي وقّع عام 1969 العودة إلى “فتح لاند” حيث أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت تحظى بتأييد لبناني وعربي واسع وتحالف مع الحركة الوطنية ما سهّل عملها، فيما “حماس” لا تتمتع بالغطاء اللبناني والعربي ولا بالتأييد الداخلي المطلوب لنشاطها سوى من حزب الله.
وعلى الرغم من رفض ما صدر عن “حماس” إلا أن البعض أبدى حرصه على ضرورة عدم انزلاق أي رد فعل إلى إثارة النعرات مجدداً بين لبنانيين وفلسطينيين أو إلى حرف الأنظار عن المعضلة الرئيسية المتمثلة بسلاح حزب الله.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك