لا ينفصل مشهد المظاهرات من لبنان الى العراق الى ايران، حيث الصرخة واحدة نتيجة الازمة الاقتصادية الخانقة، الا ان المضمون واحد ألا وهو التردي الاقتصادي والغلاء والفساد، يشمل في بعض الاحيان جهات الممانعة حيث الحشد الشعبي في العراق و"حزب الله" في لبنان.
الامر الذي، بحسب مصدر ديبلوماسي، دفع بالقيادة الايرانية بتوجيه "اوامر" الى هذين الذراعين من اجل الوقوف في وجه هذه التحركات الشعبية، على اعتبارها عدوى تتنقّل بين العاصمتين لتصل الى ايران، والتمادي فيها سيلحق الاذى الكبير في الداخل الايراني... وذلك، انطلاقا من معادلة مفادها اذا ضعفت ايران ضعف "حزب الله" وكامل وجوده في المنطقة بدءا من حماس في فلسطين الى الحوثيين في اليمن، الامر الذي يسدّد ضربة الى خط الممانعة.
وهذا الواقع الايراني ينعكس اصطفافا في الداخل اللبناني، الذي ظهر من خلال الاشارة التي اطلقها بالامس تيار "المستقبل" بمقاطعة جلسة مجلس النواب ايذانا بالانتقال الى مرحلة جديدة تشبه اصطفاف 14 اذار سابقا، وهنا تأتي اللحظة التي قد تحمل معها العواصف الى كل المجالات الامنية والاقتصادية والمالية والتربوية والصحية، والمؤشرات ظهرت من خلال مستشفيات بدأت تقفل بعض الاجنحة، مصانع صرفت عمالها، مؤسسات كبيرة تخفض الرواتب، وصولا الى اجراءات اتخذتها ادارات عدد من المدارس.
وبالتالي هذا الوضع الذي يمكن وصفه بالافلاس، لا يشبه التجربة اليونانية، حيث حدّد مرجع متابع وجه واحد مشترك بين البلدين وهو الازمة الحادة، اما عوامل الانقاذ فغير متوفرة في لبنان، حيث هناك تدخلات اجنبية وطرف مسلّح، غياب الدولة المركزية التي تحكم وتتحكّم بمسار القرارات، حيث تتعدّد الرؤوس، هذا الى جانب الدين المتراكم والاقتصاد المدولر.
اما في اليونان فكانت الازمة داخلية متعلقة بالمديونية العامة تمت معالجتها من خلال تدابير تقشفية شجعت ودفعت بعض الدول الاوروبية وفي مقدمها ألمانيا الى الوقوف الى جانبها الامر الذي ترجم من خلال تزويدها بمبلغ 20 مليار دولار فورا. وهذا ما لا ينطبق على لبنان، حيث الخلاف السياسي افقي وعامودي على كل المستويات، كما ان هناك فريقا يصرّ على المشاركة في حكومة يعتبرها امام "مسألة حياة او موت" ووجوده فيها مرتبط بالمعركة التي يخوضها على المستوى الاقليمي.
واضاف المرجع: كل هذه عوامل تدفع باتجاه الحذر والخوف والترقّب الشديد لان المرحلة قد تحمل معها شتى انواع المفاجآت، حيث ان الاحداث الامنية المتفرقة التي تسجل على هامش التحركات الشعبية على الرغم من انها حتى اللحظة محدودة لكنها تؤثر على المناخ العام، وفي لحظة ما قد تتوسع. لا سيما اذا طالت "مرحلة ما قبل التأليف".
وفي وقت لا زال الحريري مصرّا على حكومة تكنوقراط او لن يكون على رأسها، اوضح المرجع ان فريق العهد و"حزب الله" انتقل الى الخطة الثانية اي البحث عن تركيبة يكون "المستقبل" خارجها، حيث الأخير حسم خياره بالاتجاه نحو اصطفاف مع الحزب "التقدمي الاشتراكي" و"القوات اللبنانية" بشكل واضح وعلني.
القدرة التعطيلية
وفي هذا الاطار، لفت المرجع الى الرد على اعلان مقاطعة الجلسة التشريعية التي كانت مقرّرة من قبل "كتلة المستقبل"، جاء من خلال الأصوات التي ارتفعت متهمة قوى الامن الداخلي بالمشاركة في اقفال الطرقات بوجه النواب، وكأن لدى الحريري شارع قد لا ينفصل عن شارع الحراك الشعبي- يتحكم به مقابل الشارع الآخر، الى جانب قدرته على التعطيل.
اذ ابدى الخشية من تفلّت الوضع، سأل المرجع: هل اصبحنا امام معادلة "شارع مقابل شارع؟"... متوقعا ان الاهمية الكبرى في الحكومة العتيدة ستتركّز على وزارة الداخلية، من اجل سحب "تغلغل" "المستقبل" منها ومن الاجهزة التابعة لها.
ومتى ستتألف الحكومة، اشار المصدر الى انه قبل الوصول الى هذه الخطوة، وبغض النظر عن شكلها والجهات المشاركة فيها، فان المطلوب انهيار كلي على المستوى المالي، وعند هذا الحدّ تتبدّل خيارات القوى الخارجية بالنسبة الى مساعدات لبنان، ليكون البناء على اسس متينة، وختم: لا ترميم في ظل التركيبة السياسية الحالية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك