تخوّف البعض من مشهدية طرابلس أمس الأوّل، فاعتبر أنها سيف ذو حدّين، فهي بمكان ثَبّتت الانتفاضة الشعبية الطرابلسية بالرغم من الضغوط ومن تشتيت الإنتفاضة في بيروت. وفي قراءة أخرى اعتبرها البعض الآخر تحوّلاً لانتفاضة بدأت شعبية وتحوّلت «انتفاضة سنّية» بعد تفرّد رئيس الحكومة سعد الحريري، من دون سواه، بالاستقالة.
وبحسب الأوساط المطلعة في عاصمة الشمال أن لا خوف من فوضى أمنية مُقلقة في المدينة، لأنّها، بحسب رأيهم، بحاجة الى من يموّلها، ولا يبدو أنّ أحداً يموّل حتى الآن، لكنّ الخوف هو مِن حَصر الانتفاضة بالطائفة السنية، لأسباب ذاتية تتعلق بموقفها من التسوية الرئاسية ومن «حزب الله».
وبالتالي، الخوف هو من استعادة الطبقة السياسية، التي تستخدم الطائفية، أنفاسها من خروم عودة الانقسام الطائفي العمودي... وهذا الأمر يجهض التحرك كله، بمفهومه التغييري الجدي والجذري... وتكون حصيلة الحركة كلها نَسف التسوية الرئاسية، وتحسين شروط الرئاسة الثالثة فقط.
ولذلك، تلفت الأوساط الطرابلسية الى أنّ على السنّة، وخاصة في طرابلس، الابقاء على لاطائفية خطابهم الاعتراضي ولامذهبيته، والتمسّك بشعار «كلّن يعني كلّن»، لأنّ موقفهم التاريخي في هذه المرحلة وحده الذي يحدّد وجهة لبنان لسنوات كثيرة مقبلة، وإن لم يكونوا اليوم بمستوى المسؤولية التي حمّلهم إيّاها معظم اللبنانيين، فعلى هذه الانتفاضة السلام، وسيغدو التغيير في لبنان مستحيلاً في المستقبل.
الوزير السابق رشيد درباس كانت له قراءته لتَزايد الحشود في ساحة النور منذ يومين، لافتاً الى أنها أيضاً بسبب تَعاظم الحشد في «الرينغ» وبسبب الحوادث الأمنية التي حصلت، مشيراً الى أنّ بعض المتظاهرين في طرابلس لم يكونوا مرتاحين الى المستجدات المتسارعة وما رافق التحركات الشعبية في بيروت وغيرها من المناطق التي كانوا يراقبونها، كما أنّ المتظاهرين تخوّفوا من المماطلة، خصوصاً أنهم سمعوا كلاماً من جهات سياسية تفيد أنّ الامور سائرة على ما هي عليه، مُستغربين كيف أنّ السلطة لم تدرك بعد أنّ ما يحدث في الشارع هو أمر غير عادي، بل حدث كبير ومهم.
وعلّق عليه درباس، بالقول: «لا ننكر انه أصاب الجميع، وربما البعض إصابات بالغة...». لكنّ الوزير السابق يكشف في المقابل لـ«الجمهورية» أنه زار مساء أمس الرئيس الحريري، الذي قال له: «ستتم لَملمة الشارع قريباً، وأنا غير موافق على التضخيم في الانتفاضة بعد استقالتي».
وأضاف درباس أنّ الحريري «ناشَد ناسه كي لا يستعملوا الشارع من باب المزايدات»، موضحاً انه «استقال استجابة لكل طوائف الوطن، وليس لطائفة واحدة».
وأشار الى أنّ الحريري أبلغ إليه «أنه لم يتصل بأحد منذ استقالته ولن يتصل بأحد، كما أنّ أحداً لم يتصل به حتى الساعة، وأنه لكل حادث حديث».
وعن انطباعه عن جلسته مع الحريري، قال درباس: «إنه تَحمّل أكثر من مقدرته، ولم يعد قادراً على التحمّل أكثر، وكان صريحاً. والذي يريد من سعد الحريري أن يكون شريكاً في التسوية، يجب أن تكون تسوية جديدة بشروط جديدة تُلبّي على الأقل مطالب الناس».
وعلّق درباس: «إذا قال رئيس الجمهورية أمس إنّه سيأتي بحكومة نظيفة، فهذا يعني أنّ الرئيس يعترف بنفسه أنّ الحكومة الحالية كانت غير نظيفة. وهذا الواقع يَتطابق مع ما قاله الرئيس الحريري أيضاً: «لولاكم لَما وافقوا على الاصلاحات»، ما يعني أنّ هؤلاء فاسدين ولن يستسلموا إلّا بالقوة، الأمر الذي يعني أنّ هناك توافقاً بين الرئيسين الحريري وعون على أنّ هذه الحكومة هي حكومة فاشلة وغير نظيفة... وأبسط الامور تأليف حكومة غير فاشلة أو فاسدة أو وسخة».
وأوضح: «القصة ليست في عودة الحريري أو عدمها، لأنّ الجميع يعلم أنّ الغالبية النيابية لها مَقدرة على تسمية رئيس حكومة غير الرئيس الحريري، وهذا الأمر حصل قبل ذلك مع الرئيس ميقاتي. لكنّ البعض يَتنبّه الى أهمية عودة الحريري وضرورتها لأهميّة إحداث التوازن الداخلي والخارجي. إلّا أنّ الأمر لا يعني أنّ الحريري سيلهث بمجرّد أن تتم دعوته، أو بمجرّد أن يقولوا له: تفضّل! لأنه سيتفضّل ضمن رؤيته وشروطه الجديدة».
وختم درباس: «قد تكون مشهدية طرابلس ساعدت على قدر ما في تجميل استقالة الحريري، لأنه الوحيد من المسؤولين السياسيين الذي لَبّى إحدى مطالب المتظاهرين، وهو الوحيد الذي استقال».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك