على شاكلة الأزمة التي تسبّب بها تمثيل "اللقاء السنيّ"، من خلال تأجيل ولادة الحكومة أسابيع عدّة، ريثما يتمّ التفاهم على اسم يرضي مجموعة "النواب الستة" ولا يثير اعتراض رئيس الحكومة سعد الحريري، يتحرك وزير الدولة لشؤون التجارة الدولية حسن مراد.
هو الوزير الوحيد الذي لم يجلس مع رئيس الحكومة "وجهاً لوجه" لعرض أفكاره لعمل وزارته، أو للوقوف عند توجيهات رئيسه. قبِل به الحريري وزيراً في حكومته ولكن من دون أي إضافة قد تلحق بسيرة ابن البقاع. هكذا، يصير استثناء الحريري حسن مراد من الوفد الذي رافقه إلى أبو ظبي، تتمة منطقية لسلوك رئيس الحكومة، حتى لو كان عنوان الزيارة استثمارياً وتجارياً. الاعتبار الشخصي يتجاوز هنا أي اعتبارات أخرى.
وبالمنحى ذاته، يُفهم اعتذار كل من زميليه ريا الحسن ومحمد شقير عن تلبية دعوته إلى البقاع تكريماً لكل منهما، مع أنّ أكثر من عشرة وزراء لبوا دعوة من هذا النوع خلال الفترة المنصرمة.
لا يختلف نجل عبد الرحيم مراد عن غيره من وزراء الدولة: لافتات كبيرة، ومقدرات معدومة. هكذا يجهد وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية في سبيل انجاح مهمته حتى لو اضطره الأمر الى طرق أبواب دول أميركا الجنوبية!
مستعيناً بشبكة العلاقات التي نسجها والده، يحاول الوزير البقاعي أن يجد لوزارته بقعة ولو محدودة على خريطة العمل الوزاري، من خلال السعي إلى فتح أسواق تجارية جديدة "ونبش" معاهدات ثنائية غالباً ما تكون نائمة في أدراج الاهمال، ليضع ملفاتها على السكة قبل أن يزيح من درب الوزارات المختصة، كوزارة الاقتصاد أو الزراعة، أو الصناعة لوضع اللمسات التقنية قبل رفع الملف إلى مجلس الوزراء.
وتحت هذا العنوان، اتّخذ من مسألة التطبيع مع سوريا ملفاً طارئاً على بساط البحث والتصويب العلني. يواظب مراد منذ نحو أسبوعين على المطالبة بمدّ خطوط الحوار الرسمي مع القيادة السورية بغية اقناعها بتخفيض رسوم الترانزيت عبر معبر البوكمال الذي جرى افتتاحه حديثاً. وها هو وزير الشباب والرياضة محمد فنيش يثير المسألة على طاولة مجلس الوزراء قبل أن يتصدر وزراء "القوات" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" مدعومين بموقف رئيس الحكومة، جبهة الرفض تحت مسمى ابتزاز لبنان وجرّه الى الاعتراف بالنظام السوري.
عملياً، يتخذ وزراء الثامن من آذار من الأزمة الاقتصادية حجر زاوية للدفع باتجاه تفعيل الخطوط بين بيروت ودمشق، فيما يتحصّن الآخرون بالخشية من تطبيع العلاقات بحكم الأمر الواقع، لرجم أي مسعى من شأنه فتح الأبواب الموصدة، حتى لو كانت مصلحة الاقتصاد الوطني على المحكّ.
يقول وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية لـ"نداء الوطن": "تقتضي مصلحتنا التجارية والصناعية والزراعية في هذا الوقت العصيب التوجه الى سوريا لاقناعها بتخفيض رسوم الترانزيت. عشية الحرب السورية كان التصدير عبر الممر السوري يسمح بإدخال حوالى 800 مليون دولار إلى لبنان، الآن نحن نتوقع أن يساعد التصدير عبر البوابة السورية على إدخال حوالى مليار دولار نحن بأمسّ الحاجة إليه في هذه المرحلة الدقيقة".
يشير الى أنّ هناك "اتفاقيات ثنائية وقّعت في العام 2010 من جانب وزراء يرفضون حالياً إحياء الحوار مع سوريا، وهي لا تزال غير مبرمة. نحن بحاجة الى فك الحصار عن لبنان واستعادة موقعه كصلة وصل بين الغرب والشرق".
ومع ذلك، لا يتردد أكثر من وزير من ضفة الثامن من آذار، في توضيب حقيبته للتوجه إلى العاصمة السورية "بلا إذن أو دستور" من رئيس حكومته، بحجة أنّ الزيارة تحصل بمبادرة شخصية من صاحبها. كما لم يتأثر التضامن الحكومي بمهمة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الأمنية والمكلّف بها من جانب رئاسة الجمهورية والتي حملته مراراً إلى دمشق.
إلّا أنّ ملف التصدير يحتاج، وفق حسن مراد، إلى تكليف رسمي من الحكومة لوزير أو لجنة وزارية تتولى التشاور مع السوريين، كونه تقنياً، للوصول الى اتفاق يسهّل عبور الشاحنات اللبنانية إلى العراق بأسعار تنافسية. ويشير إلى أنّه تحدث مع السوريين بصفة شخصية حول هذه المسألة "وهم يتفهّمون وجهة نظرنا وعلى استعداد لمساعدة لبنان"، مؤكداً أنّه "لا شروط سياسية علينا".
وإذ يعترف بطبيعة الملف الخلافية، يلفت إلى أنّ "المطلوب أكل العنب، ولذا ليس هناك نيّة لافتعال أزمة على طاولة مجلس الوزراء ولا لإحراج رئيسه، لا بل هناك حرص شديد على صيانة الحكومة وحمايتها من أي تصدّعات. وكل ما نحاول القيام به هو تهيئة الأجواء بشكل انسيابي، بما يسمح بمساعدة الصناعة والزراعة المحلية، خصوصاً وأنّ التطورات الحاصلة، من حولنا وفي الداخل اللبناني، باتت مؤاتية لعرض هذا الملف على طاولة البحث".
ويسأل مراد: "كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يثير مسألة إعادة إعمار سوريا وهو يرفض تكليف أي وزير بمهمة رسمية للتحاور مع القيادة السورية؟ هل المطلوب أن يكون لبنان آخر المتحاورين مع دمشق؟".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك