تفاجأ الرئيس ميشال عون بالناس تصوِّب على العهد مباشرة، إن في الشارع او في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعه إلى التلويح بإجراءات قضائية في محاولة لاحتواء ردة فعلها وردعها، ولكن لماذا تم التصويب على العهد لا الحكومة؟ وهل هناك من مؤامرة؟
قال الرئيس عون: «إنّ التحقيقات بيّنت أنّ أرقاماً هاتفية خارجية، عابرة للحدود، تواصَلت مع البعض في الداخل خلال التحرّكات الاخيرة، وانّ هناك استهدافاً منهجيّاً للعهد، بتحريض من جهات في الخارج واستجابة من قوى في الداخل». بينما كان الوزير جبران باسيل قد أعلن في وقت سابق أنّ «هناك شركاء في الداخل يتآمرون على البلد واقتصاده، ويعملون على التخريب، ويتبعون لأجندة خارجية ظنّاً منهم أنّ هذه الأجندة ستربحهم في الداخل».
كلام رئيس الجمهورية ووزير الخارجية هما من العيار الثقيل، ولا يفترض أن يمرّا مرور الكرام، لأنّ تهمة التآمر خطيرة للغاية، ومن غير المقبول غَض النظر عن المتآمرين، بل يجب تسميتهم بالاسم وفضحهم وكشف مخططاتهم خدمة للبنان واللبنانيين، خصوصاً انّ عون قال إنّ في حوزته وثائق وإثباتات عن كيفية تآمرهم على لبنان. وتهمة التآمر تتجاوز الخصومات والتباينات السياسية الطبيعية والبديهية، وتتعلّق بمصير البلد وشعبه.
ومن هذا المنطلق فإنّ غضّ النظرعن المتآمرين جريمة في حق لبنان، ولا يوجد ما يبرّر عدم تسميتهم بالاسم، سوى إذا كانت التهمة سياسية لا فعلية، على غرار ما قيل عن وجود مؤامرة رهيبة في البساتين ومحاولة اغتيال باسيل، في ظل وجود تقارير ومعلومات وإثباتات سرعان ما تبيّن عدم وجودها.
وأحد الأوجه الأساسية للكلام على المؤامرة مَردّه إلى رفض أصحابه الإقرار بالواقع، والمقصود بذلك انّ الأزمة الاقتصادية التي يمر فيها لبنان وما يَستتبعها من غضب شعبي، هي أزمة حقيقية لا وهمية ولا مصطنعة ولا مؤامراتية تُحاك في غرف سوداء في الداخل والخارج.
فمن يتحدث عن مؤامرة هو من يرفض الاعتراف بمسؤوليته، ولو الجزئية، عمّا وصلت إليه البلاد مالياً واقتصادياً، كما يرفض مقاربة الأزمة على ما هي عليه والشروع في معالجة أسبابها، إنما يريد مواصلة السياسة نفسها وإقناع الناس أنّ التدهور الاقتصادي هو نتاج عمل مؤامراتي، وأكثر َمن اشتهر تاريخياً بهذا المنطق هم العرب، الذين كانوا يَعزون هزائمهم وأوضاع بلادهم المزرية الى المؤامرات الخارجية التي تتربّص بهم، وهذا ما يفسِّر الحالة التي هم فيها.
ولا يوجد في الحقيقة مؤامرة ولا متآمرين، فلا الموقف الدولي تبدّل حيال لبنان، كما لا يوجد أي قوة داخلية بوارِد هَز الاستقرار، وإذا ما قررت ذلك فهي غير قادرة عملياً على قلب الطاولة، باستثناء 3 أطراف: «حزب الله» ربطاً بترسانته العسكرية، و»التيار الوطني الحر» الذي يملك مفاتيح الرئاسة الأولى والثلث المعطِّل وزاريّاً، والرئيس سعد الحريري في حال قرر الاستقالة.
وعلاوة على انّ كل دولة في العالم مهتمّة بشؤونها ومشكلاتها، إلّا أنّ فترة السماح الدولية للبنان انتهت، وإذا لم يساعد لبنان نفسه فلا استعداد لمساعدته. فلا فرنسا في هذا الوارد، إذا لم يلتزم أجندة إصلاحية واضحة المعالم، ولا الدول الخليجية المهتمة بمواجهة التهديد الإيراني لسيادتها واستقرارها في وارد مَدّه بودائع مالية مصرفية، خصوصاً انّ لبنان الرسمي نأى بنفسه، بشكل أو بآخر، عن العمليات الإرهابية التي استهدفتها. أمّا واشنطن فمهتمّة بالاستقرارين المالي والأمني من خلال دعم مصرف لبنان والمؤسسة العسكرية، وبالتالي هي مع «الستاتيكو» الحالي لا مع تغييره.
أمّا إذا كان المقصود بالمؤامرة الخارجية من جانب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية العقوبات الأميركية على «حزب الله، فعلى الرئاسة الأولى أن توضح ذلك، لأنّ العقوبات لن تتوقف وستتمدّد. والعقوبات ليست مسألة تآمرية إنما صراعية بين محورين، وعلى لبنان الرسمي أن يبقى خارجها طالما انّ الحزب يتحرك من دون علمه ولا إذنه ولاعتبارات إيرانية لا لبنانية، كما أنّ على لبنان الرسمي مواصلة التزام الشروط الدولية الصارمة تَجنّباً لسقوط لبنان، إمّا بانهياره في حال عدم التزام هذه الشروط، وإمّا بوصاية إيرانية في حال سقوط حدود العلاقة بين لبنان الرسمي و«حزب الله».
وإذا كان هناك مؤامرة ضد لبنان واستقراره، وهنا يكون الرئيس ووزير خارجيته على حق، فهي من قبل مَن يرفض تسليم سلاحه ويستخدم لبنان منصّة متقدمة لطهران، ويُمسك بالقرار الاستراتيجي منفرداً لحسابات إقليمية وصراعية أولويتها ولاية الفقيه لا الدستور اللبناني.
إنّ محاولة رَمي مسؤولية الوضع الاقتصادي الكارثي على بعض من في الخارج والداخل، هي محاولة غير موفّقة ويستحيل تسويقها، فيما أحد الجوانب الأساسية لهذه الأزمة يقع على العهد لسببين، على أقل تقدير: السبب الأول، لأنه غطّى مواجهات باسيل المتنقلة على رغم مطالبته من أكثر من طرف بضبط هذه المواجهات التي تنعكس سلباً على الاستقرار.
والثاني، لأنّ العنوان الصراعي السياسي طغى على كل شيء، خصوصاً في مرحلة تأليف الحكومة، ما ساهَم في تسريع وتيرة الانهيار. والسبب الثالث، لأنه لم يبادر، منذ لحظة وصوله الى الرئاسة الأولى، الى إعلان حال الطوارئ الاقتصادية وجَعل العنوان الاقتصادي عنواناً أوّل بعيداً عن الاتهامات بمنعه من الإنجاز، فلا خطط إصلاحية ولا استشراف لانعكاس إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والاصرار على الكهرباء وبواخرها...
أمّا لجهة تحميل الناس العهد المسؤولية لا الحكومة، على رغم انّ سلطة القرار ليست في القصر الجمهوري ولا في السراي الحكومي، إنما داخل مجلس الوزراء مجتمعاً، فإنّ مردّها يتظَهّر ضمن 3 أسباب أساسية:
السبب الأول عائد الى السياسة الدعائية المرتبطة بالعهد القوي المُمسِك بمفاصل الحياة السياسية، فترسّخت في أذهان الناس الصورة والانطباع انّ المسؤولية تقع على العهد لا الحكومة.
السبب الثاني عائد الى حيازته 11 وزيراً و٢٩ نائباً ورئاسة جمهورية شريكة في كل التعيينات والقرارات.
السبب الثالث مردّه الى انّ كل أزمات البلد السياسية، منذ 3 أعوام إلى اليوم، رأس حربتها باسيل. فالقاعدة هي مواجهات باسيل المتنقلة، وهذا الكلام توصيفي لا هجومي، والاستثناء هو التباينات بين القوى السياسية، وهي عابرة وغير مؤثرة. فلهذه الأسباب وغيرها ترسّخ الانطباع لدى الناس بأنّ المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع تقع على العهد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك