بعد وضع أحزاب السلطة يدها على الحركة النقابية، انتقلت خلافات تلك الأحزاب، ولاسيما حركة أمل والتيار الوطني الحر، إلى الحركة النقابية. وها هي النقابات التي خاضت الأحزاب متحالفة معارك للسيطرة عليها وإبعاد النقابيين المعارضين من مواقع القيادة فيها، تشهد حرباً الباردة تعكس "الحرب" بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري. ومع أن القيادات النقابية الحالية تستمر في التستر عن هذه الحرب، وتصر على حصر اهتمامها برفض عرقلة السلسلة أو تطييرها، وكذلك رفض فرض الضرائب على الفقراء، إلا أن الحرب باتت أكبر من أن يحتويها مطلبٌ شعبي أو تكتّلٌ نقابي.
تُحاول مصادر نقابية تشتيت الضوء عن انفصال نقابة معلمي المدارس الخاصة عن تظاهرات هيئة التنسيق النقابية والاتحاد العمالي العام، والتركيز على "مواجهة عرقلة إقرار السلسلة، لأنها هي الملف الأساسي. وما عدا ذلك، هو اختلاف في وجهات النظر بشأن التعبير عن حق إقرار السلسلة"، وفق ما تقوله المصادر لـ"المدن".
لكن، إذا كانت السلسلة حقاً لا يُختلف عليه، فإن المصادر لا تُخفي "امتعاض فريق التيار الوطني الحر من سهولة تحرك النقابات التي ينشط فيها أساتذة وموظفون من حركة أمل وحلفائها". وتحاول المصادر تجنّب الحديث المباشر عن نقل الخلاف السياسي إلى النقابات، وتصر على أن "الإختلاف طبيعي، ولا يؤثر على المطلب الأساسي، وهو السلسلة".
امتعاض الفريق العوني لم يجد مكاناً للتعبير عنه إلا من خلال النقابة التي يمسك بقيادتها، فنقابة معلمي المدارس الخاصة هي المنفذ الوحيد الذي يمكن للعونيين التصويب من خلاله على بري، أو على الأقل تسجيل موقف مفاده أنهم يملكون شارعاً يمكن تحريكه ويمكن التفاوض عبره في السياسة، حتى وإن كان بري يملك باقي القرار النقابي. وهنا، تقول المصادر، "يعلم العونيون أنهم لن يغيروا مسار السلسلة او مسار الحركة النقابية، لكن يبقى الموقف هو الأهم بالنسبة لهم".
يحاول نقيب معلمي المدارس الخاصة رودولف عبود، دفع كل هذه "التُهم" عنه وعن نقابته، معتبراً الحديث عن تغريد نقابته خارج سرب الاتحاد وهيئة التنسيق "محاولات مشبوهة لتشويه سمعة المجلس التنفيذي (للنقابة)". وخلال مؤتمر صحافي عقده المجلس التنفيذي للنقابة، يوم الأربعاء 4 تشرين الأول، عمد عبود إلى التأكيد على أن قرار مجلسه بعدم المشاركة في الإضرابات، "صدر ديموقراطياً"، واصفاً المنتقدين بأنهم "حملة الشعارات الفارغة والغوغائية الخطابية الرنانة التي تخرب ولا تبني، والتي تحرف الأنظار عن الحقائق".
وللتأكيد على دور نقابته في إقرار السلسلة، رأى عبود أن المؤتمر هو "لقاء لتسليط الضوء على ما حققناه في أقل من ثلاثة أشهر على انتخابنا (تموز الماضي). غير أن حصر الإنجازات بفترة توليه قيادة النقابة، ينفي دور من سبقه، وتحديداً دور النقيب السابق لأساتذة التعليم الخاص نعمة محفوض، الذي عاقبته السلطة عبر استبعاده من رئاسة النقابة، وتسليمها إلى عبود. وهنا، تشير المصادر إلى أن "استشراس عبود في الدفاع عن نفسه وعن قرار مجلسه الذي أتى مناقضاً لتوصيات الجمعيات العمومية بالمشاركة في الإضراب، هو دليل على أن هناك ما هو أبعد من القرار الديمقراطي لمجلس النقابة".
تسييس الحركة النقابية "ليس بجديد على السلطة السياسية. "هذا ما يراه الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب، الذي لا يعوّل على القيادات النقابية الحالية، إذ يقول في حديث لـ"المدن" إن هذه القيادات "عند المواقف الصعبة، ينصاعون لما تطلبه منهم السلطة. ونستدل على ذلك بالتنازلات التي قدموها في ملف السلسلة على مدى سنوات". ويتخوف غريب، في ظل التلويح بوقف دفع الأشهر اللاحقة، من تعطيل السلسلة. وبرأيه، "إذا لم تقف القيادات النقابية في المواجهة، فإن الحركة النقابية ستتجه إلى أزمة". والخلافات السياسية التي تظهر في الحركة النقابية، هي "تفاصيل صغيرة لنتائج الخلاف السياسي الكبير. لكن، يبقى الهدف الأساسي الذي يجب على الحركة النقابية التركيز عليه، هو الناس وما يحصل معها".
يضيف غريب أن السلطة عبر نقل خلافها السياسي إلى النقابات، تريد القول إنها تملك القرار النقابي، وإن "السلسلة لم تأتِ عبر نضال الأساتذة والموظفين، بل إن الفضل يعود لها في إقرار السلسلة. وسواء اختلف أقطاب السلطة أو اتفقوا، فإن الحركة النقابية هي من يدفع الثمن".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك