ما أن تطأ قدماك مركز الضمان الاجتماعي في الدورة حتى تدرك مدى تخلّف دولتنا الكريمة. في هذه السطور، سنروي لكم تجربة مواطن من عامة الشعب مع الضمان الاجتماعي، حيث لجأ الى مركز الدورة لإجراء معاملة استشفاء لا تتطلب بحدّها الأقصى ربع ساعة من الوقت، ولكن، ولأنّنا في بلد العجائب، تطلّبت المعاملة والتي هي كناية عن ورقة واحدة أكثر من ساعة ونصف الساعة.
تصل الى الشارع الذي يقع فيه هذا المبنى الشهير، فتبدأ معاناتك بحثاً عن مكان لركن سيارتك في تلك "الزواريب" الضيّقة، وسط الكاراجات المنتشرة في المكان. توقف سيّارتك بعيداً، ثمّ تسير على قدميك، صيفاً وشتاءً، لكي تصل الى المركز، أو تختار أن توقف سيّارتك في الموقف الوحيد القريب، مقابل 5 آلاف ليرة للساعة الواحدة فقط.
تركن سيّارتك وتصعد الى المبنى الذي يفتقد للمصعد الكهربائي كما لسائر التجهيزات المطلوبة. تخيّلوا فقط لو أنّ مريضاً أو كهلاً اضطرّ أن يأتي الى هذا المركز لاجراء المعاملات، وعليه ان يصعد ثلاثة طوابق ليصل الى المكان المنشود.
وبمجرد دخولك الى المبنى تسمع الشتائم التي تخرج من افواه جميع المواطنين، نساءً ورجالاً، شبّاناً وشابات. تصل الى المركز وبيديك الاوراق والمستندات المطلوبة، وإذ تتفاجئ بـ "الكراتين" المكدّسة فوق بعضها وبطريقة عشوائيّة وغير منظّمة وكأنك في واحدة من إدارات قندهار!
تتوجّه الى نافذة تقديم طلبات الاستشفاء، واذ تجد نفسك في صفٍّ من البشر غير منظّم، بحيث يسعى كلّ واحد للتسابق لإنهاء معاملته.
يصل دورك، تبتسم للموظّفة وتطرح عليها السلام فلا تجيبك. تقدّم لها المستندات لتبدأ جملة من الاسئلة السخيفة واللامنطقية، ثمّ، بطريقة متعجرفة وفاقدة للاخلاق والأدب تقول لك "كتبلي الارقام هون رجاع تاع لعندي. يللي بعدو".
تكتب الارقام وتنتظر من جديد في الدور. تقدم لها مجدّداً المستندات لتواصل اسئلتها السخيفة، ثمّ تقول لك، بالأسلوب نفسه "روح صوّرلي الرابور رجاع تاع لعندي". هنا السؤال يطرح نفسه: لماذا لم تقل لي منذ البداية ما عليّ فعله وتجنّبني تلك المعاناة عبر الطلب بالتقسيط؟
تتوجّه الى الطابق الثاني لتصوير المستند المطلوب وتعود مجدّداً وتصعد الى الطابق الثالث وتنتظر مجدّداً في الدور. يأتي دورك وإذ بالموظّفة تقوم عن المكتب لتتمشّى في المركز!
تبدأ بمناداتها وإذ بامرأة من الخلف تقول: "ما تعيّطلا وإلا ما بتعملّك المعاملة، هيي بتزهق وبتقوم بتعمل برمة بالمركز".
تردّ على المرأة: "شو انا مضطر اتحمّل مزاجيتها؟ عندي شغل!".
تعود الموظّفة. تقدّم لها المعاملات وإذ بها تطلب منك الانتظار لتسحب علبة "بسكويت" من الدرج وتبدأ بالتهامها. تقدّم لها الطلب فتكتب لك رقم الانتظار وتطلب منك بطريقة فظّة "تفضل انطور هونيك".
تذهب لتنتظر أن ينادوك بالاسم. تنتظر وتنتظر. يمرّ جميع من جاء من بعدك وانت تنتظر. وبعد اكثر من نصف ساعة من الانتظار، تذهب لتسأل عن سبب التأخير، فتردّ عليك الموظّفة "بليز رجاع لورا موسيو، لما انعيطلك بيجي دورك".
وبعد اخذٍ وردٍّ تقول لك "صار في غلط بالوراق ميشان هيك صار تأخير". ينادون اسمك، تذهب لاستلام الطلب وإذ بها تقول لك "عالآخر عند ليليان"، تسألها "وين عالآخر ومين ليليان"، تردّ عليك بعصبيّة "استاذ لحاق العالم بتعرف، روح لهونيك".
تذهب عند ليليان لتنتظر دورك، وإذ بسمسار يأتي حاملاً حوالي 5 معاملات ما يعني أنّه عليك انتظار خمسة اشخاص وهميّين، خصوصاً وأنّ السمسار تخطّاك للقيام بالمعاملات. وبعد الانتهاء من معاملاته يأتي دورك، فتقوم ليليان بتوقيعها لك، وبعدها تطلب منك التوجّه عند رئيس الدائرة.
تدخل عند رئيس الدائرة. يوقّع على المعاملة لتنتهي الاشغال الشاقة التي واجهتها وحيداً في بلد أشبه بمزرعة.
ورقة واحدة تطلّبت ساعة ونصف الساعة من أجل توقيعها، وأربع محطات عليك أن تمرّ بها لكي تأخذ تلك الورقة التي تسمح لك بالدخول الى المستشفى كي لا تموت على ابوابها.
تتوجّه الى سيّارتك لتنصرف وإذ يستوقفك صاحب الموقف المزيّف "بدك تدفع شي بعد؟ لانو صرلك اكتر من ساعة"، تردّ عليه بعصبيّة "يا خيي رحمني شوي دفعنالك 5000!"، يسكت ويدعك تذهب خجلاً من ردّك.
وهكذا ينتهي مسلسل العذاب والاشغال الشاقة التي عانيتها من اجل الحصول على تلك المعاملة.
تتعلم درسا مهمّاً بعد هذا اليوم الطويل الذي مررت به، وهو ان تأخذ نفساً عميقاً عندما تتوجّه مجدّداً الى مركز الضمان، وإذا تطلّب الامر، فعليك تناول دواء لتهدئة الاعصاب كي لا ترتكب جريمة.
وبعد هذه المشقّة، نسأل: أين هم المسؤولون من هذا الامر؟ أين هو مشروع الحكومة الالكترونيّة الذي يسهّل اعمال المواطنين وخسارة يوم عمل كامل؟ الم يحن الوقت بَعدْ، على ابواب العام 2017، ان نتمتّع بمكننة لتلك المعاملات وألا تبقى الامور على طريقة "من هالك لمالك لقباض الارواح؟".
إنّها دولة فاشلة ومهترئة، يتآكلها الفساد المستشري في إدارتها ومؤسّساتها. دولة يحتقرها المواطن لكثرة الدجّالين فيها وتجار الصفقات. دولة الفلتان الأمني واطلاق الرصاص العشوائي. دولة لا شيء يصلح فيها سوى أنها تحوّلت الى مكبٍّ كبيرٍ للنفايات. وقد شاهدت بعضها داخل مركز الضمان الاجتماعي!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك