يمرّ التيّار الوطني الحر في فترة حرجة ودقيقة من تاريخه. "التيّار" الذي انطلق كحركة نضاليّة تماهت مع الجيش اللبناني وآمنت بقائده العماد ميشال عون، وحاكت مختلف فئات المجتمع، وخاضت نضالاً اتخذ أشكالاً عدّة، من التظاهر الى توزيع المناشير وصولاً الى بيع العكك والخضار، يواجه اليوم مخاض التحوّل الى حزبٍ سياسي وسط اعتراضات تتّخذ في بعض الأحيان الطابع العلني، ولو بخجل، خصوصاً على النظام الداخلي الذي ستُجرى على أساسه الانتخابات الداخليّة التي شهدت، حتى الآن، أكثر من تأجيل.
ولكن، بعيداً عن لبنان، حيث تبقى وتيرة الاعتراضات تحت سقف الحسابات، اختارت مجموعة ناشطة من "التيّار" في باريس تضمّ أعضاء في هيئته التأسيسيّة أن ترفع السقف وتوصل الصوت.
بدأت هذه المجموعة تظهر الى العلن بعد إطلاقها لنداء في 6 آب 2014 تبعته خلوة أطلقت عليها تسمية "مؤتمر النهضة" وانعقدت في باريس بتاريخ 27 و28 أيلول 2014، وضمّت أعضاء في التيّار الوطني الحر والتجمّع من أجل لبنان، بهدف "إعادة تفعيل التجمّع والتيّار".
يُعتبر المطلب الأول لهذه المجموعة، وفق ما يقول أحد الناشطين فيها فادي الجميّل، العضو المؤسّس لـ "التيّار" في باريس لموقع الـ mtv، "بناء الحزب على المبادئ التنظيميّة والأسس السياسيّة التي اقرّتها الهيئة التأسيسيّة في خلوتَيّ 14/8/2005 و17/9/2005 وتمّ التصويت عليها وإقرارها في خلوة 9/6/2006، المدرجة في ميثاق التيّار ونظامه الداخلي".
ويشير الجميّل، الذي صدر قرار بفصله من "التيّار" عشيّة مؤتمر باريس، الى أنّ "هذه المجموعة لا تعترض على المسار السياسي ولا على الخيارات الحاليّة أو السابقة للعماد ميشال عون، بل هي تطالب بأن يكون التيّار الوطني الحر منسجماً مع مواقفه، فإذا كان يطالب باعتماد الديمقراطيّة في لبنان فالحريّ به أن يطبّقها داخل حزبه، وإن كان يصرّ على الشفافيّة فيجب أن يبدأ بها من داخل "التيّار"، وإذا كان انطلق على أساس رفض الإقطاع والوراثة فيجب أن يحذَر من الوقوع فيهما".
وأضاف: "انطلق هذا التيّار من رحم المعاناة والقمع الذي عانى منه، وهو كان ابن الجيش، ولذلك كان انتماؤنا إليه ومناصرتنا له، واعتبرناه خياراً بديلاً عن الأحزاب التقليديّة القائمة على التوريث السياسي، إلا أنّه وقع في السنوات الأخيرة في أخطاء فادحة وكان هناك فشل جماعي في إدارته، وأصدق دليل على ذلك التراجع الكبير في عدد المنتسبين إليه".
ويكشف الجميّل عن أنّ المجموعة الناشطة في فرنسا تتواصل مع "التيّار" في الانتشار، وخصوصاً في أوروبا وأميركا وكندا وأوستراليا، كما مع نوّاب وكوادر في التيّار وتوصل صوتها إليهم، متجنّباً الكشف عن رأي هؤلاء في مقرّرات خلوة باريس التي دعت الى "وضع آليّة خاصّة بحسن الادارة والشفافيّة الماليّة داخل التيّار، من خلال مراقبة ديموقراطيّة واضحة على مختلف مستويات التمويل والصرف المحيطة بالتيّار"، والى "وضع آليّة سليمة للتعيينات في مختلف المناصب، الداخليّة منها كما السياسيّة خارج التيّار، على أن يتمّ اختيار مرشّحي التيّار لأيّ منصب منتخب عبر انتخابات داخليّة تمهيديّة ملزمة، مع المحافظة على هامش مناورة في التحالفات للقيادة الحزبيّة".
ورأى أنّ "النظام الأعور الذي تمّ وضعه منذ أشهر لم يتمّ احترامه وتمّ تعديله وتشويهه أكثر"، مستغرباً أن يكون تمّ التوقيع عليه من قبل البعض في "التيّار" ممّن كانوا يعترضون في السابق على غياب الديمقراطيّة عن الحزب.
وذكّر الجميّل بما تضمّنته مقرّرات مؤتمر باريس من مطالبة "القيادة الحزبيّة بالعودة الى موقعها الطبيعي في الاصغاء ولمّ الشمل، والتوقّف عن ممارسة مختلف أنواع الضغوط المباشرة وغير المباشرة. فلا يمكن الردّ على مطلب الحوار والديموقراطيّة الداخليّة بإغلاق الأبواب والفصل".
وفي حين كشف الجميّل عن التحضير لمزيد من الخطوات الاعتراضيّة في المستقبل القريب، سأل: "كيف يدعو الوزير جبران باسيل الى مؤتمر للطاقة الاغترابيّة في حين يتمّ إهمال الطاقة الاغترابيّة للتيّار الوطني الحر؟ وهل نريد تيّاراً على قياس أشخاص أم على حجم أحلامنا بالوطن؟".
وتجدر الإشارة الى أنّ هذه المجموعة أطلقت منذ أشهر صفحة على موقع "الفايسبوك" باسم Orange Reform، ويتيح تصفّحها الاطلاع على مواقف هذه المجموعة وتعليقات بعض أعضائها المنتقدة لوصول الوزير جبران باسيل وللجولات المناطقيّة التي يقوم بها، وللوراثة السياسيّة وللإغفال عن محطات من التاريخ النضالي للتيّار الوطني الحر، كما لشعارات "تأليه" العماد ميشال عون، بالإضافة الى الكثير من المواقف التي لا تتوقّف عند حدود سقف "معارضة الداخل".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك