في شباط (فبراير) الماضي أجرت صحيفة «وول ستريت جورنال» حواراً مع الرئيس السوري بشار الأسد حول الأوضاع في المنطقة ورؤية سورية لها. سألت الصحيفة الرئيس، هل هناك أي قلق من أن ما يحدث في مصر يمكن أن يصيب سورية، فقال الأسد: «إذا أردت أن تجري مقارنة بين ما يجري في مصر وسورية، عليك أن تنظر من زاوية مختلفة. لماذا سورية مستقرة على رغم أن لدينا ظروفاً أكثر صعوبة؟ مصر مدعومة مالياً من الولايات المتحدة فيما نحن تحت الحظر الذي تفرضه غالبية دول العالم. لدينا نمو على رغم أننا لا نملك الكثير من الاحتياجات الأساسية للناس، وعلى رغم كل هذا لا تجد الناس يخرجون في انتفاضة. لذلك فالأمر لا يتعلق فقط بالاحتياجات وليس فقط بالإصلاح، لكنه متعلق بالعقيدة والمعتقدات والقضية، هناك فرق بين أن تكون لديك قضية وبين أن يكون هناك فراغ».
ثلاثة اشهر تفصل بين حديث الرئيس بشار الأسد، والأحداث الدموية التي تشهدها سورية اليوم. هل كانت التقارير التي تُرفع الى الرئيس مضلِّلة الى درجة ان الأسد استبعد حدوث ما يجري في المدن السورية، أم هو التهاون بالحرية والاحتياجات المادية والمعنوية للشعب، والاعتقاد بأن رضا الناس والاستقرار رهن بـ «التناغم بين السياسات ومعتقدات الشعب»؟ ربما تكون التقارير التي يقرأها الرئيس مضلِّلة، لكن الذي يصعب فهمه هو اقتناع القيادة السورية بأن شعارات مثل «القضية والفراغ» تصلح كجواب لتبرير الانتهاكات والقمع، وغياب حرية الفرد، والتنمية والعدالة الاجتماعية، ومفهوم الدولة.
لا شك في أن قطار التغيير في سورية تحرّك، وبسرعة غير متوقعة. والمؤسف أن النظام السوري راقب تجارب ثلاث دول عربية هي تونس ومصر وليبيا، لكنه لم يتعلّم من أخطاء أنظمتها. كان بإمكان دمشق استبدال الحل الأمني بالسياسي، وتخفيف الولادة العسيرة للتغيير، وتجنب العنف وإراقة الدماء، ولكن يبدو أن النظام السياسي في سورية ماضٍ في تكرار تجربته مع انتفاضة مدينة حماه في الثمانينات. الرئيس قال في حواره مع «وول ستريت جورنال»: «عندما تكون لا تتكلم، وفجأة تتكلم، فإن ما يحدث هو انك لا تتكلم بالطريقة الملائمة، أو الطريقة البناءة. نحن نتعلم. ولكن نتعلم من أنفسنا».
الأكيد أن الرئيس بشار كان صادقاً في هذه الجملة. فالنظام السوري يتعلم من نفسه، ولهذا يكرر الأخطاء ذاتها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك