ليست تركيا مرجعا لاحد من العرب سوى سوريا. ولن تكون نموذجا لأي من العرب سوى لبنان. الجغرافيا ليست وحدها هي التي تحكم هذا المنطق. التاريخ يفيد بان بلاد الشام كانت آخر الولايات العثمانية التي غادروا واولى الولايات العربية التي عادوا اليها واعلنوا منها رغبتهم بالمصالحة مع العالم العربي كله.. والتي تمثل لهم التحدي بل الخطر الاكبر على دورهم وربما امنهم.
الامن سؤال جدي في اسطنبول. الحدود المشتركة مع سوريا والبالغة 800 كلم لم تعد مجرد معابر مفتوحة للافراد والسلع. ثمة قدر من الاستنفار على جانبيها او بتعبير ادق على جانبها الشمالي، حيث يبدو اضطراب الوضع الداخلي السوري وضعف قبضة الدولة المركزية مؤشرا على امكان تسلل الكثير من المشاكل الى تركيا .. ليس اقلها حزب العمال الكردستاني او سواه من التنظيمات الاسلامية المتطرفة التي لا تعترف اصلا بتلك الحدود.
والسؤال مفتوح على لحظة حرجة في الداخل التركي، حيث يستعد الاتراك لخوض معركة انتخابية حاسمة في 12 حزيران المقبل ستبقي حزب العدالة والتنمية في السلطة لاربع سنوات مقبلة، وبغالبية واضحة تمكنه من ادخال تعديلات جذرية اضافية على بنية النظام والدفع به نحو حكم رئاسي واسع الصلاحيات يتوج رجب طيب اردوغان سلطانا جديدا. في هذه المعركة ثمة قوى تركية مختلفة يمكن ان تسعى الى الاستفادة من الاضطراب السوري او الحدودي للبرهان على ان تلك التجربة الاسلامية التركية الباهرة قد استنفدت صلاحيتها، او على الاقل هي لا تؤتي ثمارها العربية المتوقعة.
في هذه اللحظة، الممتدة حتى 12 حزيران، سيكون الاضطراب الداخلي السوري شأنا تركيا داخليا. وهو كذلك بالفعل وبالاستناد الى المسؤولين السياسيين والامنيين الذين عبروا الحدود المشتركة في الاسابيع القليلة الماضية متوجهين الى دمشق، حاملين معهم النصائح والتوصيات، بل حتى الاقتراحات البديلة لالغاء قانون الطوارئ واقامة محاكم خاصة في سوريا لمكافحة الارهاب على غرار المحاكم القائمة في تركيا، وايضا الخلفيات السياسية والتشريعية التي اعتمدتها انقرة من اجل صياغة قوانينها الانتخابية والحزبية العملية التي ساهمت في استقرار وازدهار مجتمع يتشكل من اعراق وطوائف واقليات موزعة بنسب تكاد تكون متساوية على جانبي الحدود التركية السورية... لكن بنسب غير متكافئة طبعا داخل مؤسسات السلطتين في البلدين.
لا تطمح تركيا الى ان تكون مرجعا في شأن داخلي معقد مثل الشأن السوري، لكنها تخشى ان الوقت المتاح لاصلاح سياسي جدي يهدر شيئا فشيئا، كما ان الفراغ الهائل يسد باتهامات ليس لها اساس الى الخارج، لا سيما لبنان بالمسؤولية عما يجري في سوريا.. بدلا من ان يتم التركيز على تحقيق مصالحة عميقة بين النظام ومعارضيه جميعا على اختلاف انتماءاتهم السياسية والطائفية، لا سيما انه ليس من بينهم حتى الآن من يريد فعلا اسقاط النظام، بل الاندماج به بطريقة سلمية لا تخلو من بعض التوتر المتبادل.. والمتوسع نحو لبنان الذي لا يمكن ان يكون مسرحا بديلا او مهربا مما هو حتمي وملحّ في دمشق وحدها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك