تثير الاتهامات التي تسوقها وسائل اعلام سورية عن مسؤولية لبنانية لنواب في المعارضة وتتبناها وسائل اعلام قوى 8 آذار، تساؤلات عما اذا كانت دمشق تسعى في ما تسعى اليه الى توجيه اتهامات سياسية الى "تيار المستقبل" من اجل تجميد حركته نتيجة عجز واضح حتى الآن عن تغيير التوازن السياسي في لبنان على رغم الانقلاب في مواقف نواب كانوا مع 14 آذار وجعلوا قوى 8 آذار اكثرية نيابية. اذ ان عملية تأليف حكومة بالمعايير التي اسقطت بها حكومة الرئيس سعد الحريري قد فشلت في المجيء بحكومة مختلفة وجدول اعمال مختلف، ليس فقط في موضوع المحكمة الخاصة بلبنان بل في مجموعة ملفات رفعتها هذه القوى. وتأليف حكومة بمعايير اخرى وأقرب ما تكون الى معايير ما سمي حكومة الوحدة الوطنية فشل حتى الآن على رغم التنازلات التي يقول بعض المطلعين على مراحل تأليف الحكومة ان "حزب الله" قدمها الى رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي لمساعدته في التأليف. وفي حين تتعثر قوى الاكثرية الجديدة في الاتفاق على شكل الحكومة ووظيفتها، فان قوى المعارضة الجديدة في المقابل لا تزال تشكل تحديا يلجم حرية رئيس الوزراء المكلف من جهة ويؤثر في اللعبة السياسية القائمة من جهة اخرى، اضافة الى ان علاقات المعارضة بالخارج لم تضعف فضلا عن امكان إفادتها من حركات الاحتجاج الاقليمية التي في احد جوانبها تقف في وجه المد الايراني في الدول العربية مما يجعل التوازن السياسي الجديد الذي اريد احداثه عبر الحكومة الجديدة امرا اشبه بالسراب من ضمن الوقائع الحالية.
فحين يصبح توزيع الحصص في الحكومة العتيدة بين فريقين احدهما فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس ميقاتي والنائب وليد جنبلاط، على رغم ان الجميع ينتمون الى "جبهة وطنية واحدة" وفق تصنيف رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويملك 11 وزيرا اي الثلث المعطل من اجل منع تفرد قوى 8 آذار أي "حزب الله" وحليفيه بري والعماد ميشال عون باكثرية الثلثين وتاليا بقرار مجلس الوزراء، فانما ينطوي ذلك على أمرين على الاقل: ان فريق 8 آذار يمكن ان يتخذ قرارات تنحو بالبلد الى مخاطر كبيرة او الى قرارات او اجراءات انتقامية ضد المعارضة من مصلحة لبنان عدم الوقوع فيها مجددا كما حصل ابان عهد الرئيس السابق اميل لحود. وان الثلث المعطل للرئيس سليمان والرئيس ميقاتي والنائب جنبلاط يرمي الى لجم الاتجاهات المتطرفة على اكثر من صعيد في ظل غياب فريق اساسي كبير عن المشاركة في السلطة اكان ذلك على صعيد قانون انتخابي جديد او تعيينات سيحاول افرقاء الحكومة وضع اليد عليها بكليتها لما يعنيه ذلك من وضع اليد السياسية على مفاصل اساسية لن يصعب بعد ذلك تغييرها علما ان التعيينات في مراكز الفئة الاولى كثيرة جدا على مستوى السفراء في الخارج او على مستوى الادارات العامة في الداخل، في وقت تقر مراجع كبيرة بان رئيس الوزراء المكلف سيواجه معضلة بإزاء عون على الاقل، الذي سيطالب بكل المراكز لنفسه او لتياره، وأنّ كسر ميقاتي في مرحلة تأليف الحكومة من خلال اعطاء عون ما يريده من وزارات سيساهم لاحقا في اضعاف موقفه كما موقف رئيس الجمهورية في التصدي لمطالب عون في حصر كل المواقع الادارية المسيحية به. ولا يخفي مسؤولون معنيون بتأليف الحكومة على اكثر من مستوى الاهمية التي تكتسبها التعيينات في المرحلة المقبلة بين من يلوم الرئيس الحريري على عدم انجاز البعض منها اثناء رئاسته الحكومة ومن يلوم قوى 14 آذار على عدم دفع القوى المسيحية المنضوية ضمنها الى المشاركة منعا لوضع العماد عون يده على كل التعيينات وصعوبة التصدي لمطالبه لاحقا نظرا الى ما يشكله ذلك من تأثير على عمل الحكومة العتيدة وتخبطها في مشاكلها من ضمن الفريق الواحد. في حين تعتقد مصادر سياسية ان الصعوبة في الضغط السوري في هذه المرحلة من اجل تأليف الحكومة مباشرة او بواسطة "حزب الله" انما يتصل في المعادلة والحسابات الداخلية بواقع ضرورة المحافظة على المؤسسات نتيجة احتمال الحاجة الماسة اليها في المرحلة المقبلة شأنها شأن استمرار الحاجة الى العماد عون ايضا. ومن هنا صعوبة الضغط على اي منهم على نحو كاف علما ان التساؤل عن سبب عدم ضغط سوريا على حلفائها من اجل تثبيت مكسب هؤلاء في السلطة لا يجد الى الآن جوابا شافيا حتى لدى اصدقائها بما في ذلك الكلام على الانشغال السوري بالوضع داخل المناطق السورية.
في اي حال تعتقد مصادر سياسية معنية بالحكومة العتيدة ان الامر المفيد من مرحلة الانتظار التي طالت جدا بالنسبة الى حكومة تضم فريقا واحدا هو ان الحكومة ايا تكن طبيعتها ستكون مقبولة على اساس ان وجود حكومة مجتزأة او غير تمثيلية أو ما إلى ذلك افضل من عدم وجود حكومة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك