في 13 نيسان، ككلّ عام، نتذكر هذه الذكرى الاليمة من تاريخ لبنان على أمل ألا تعود او تتكرّر والتي كانت الشرارة التي أطلقت حرباً اهليّة مخيفة، ذات أسباب دفينة باطنيّة وأدّت الى ضرب ما يعرف بالصيغة اللبنانيّة للتطوّر في زمن السلم الى انقسامٍ وشرخٍ واضح بين الفرقاء اللبنانيّين ليضحو حالياً طلاقاً واضحاً تحت راية "المحاصصة الطائفية".
فبعد 35 عاماً من "حرب اهليّة" أو حربٍ دامية دمّرت وهجّرت وقتلت الكثير من اللبنانيّين وأعادت رسم الخريطة اللبنانيّة الداخليّة من خلال اتفاق الطائف الذي كرّس انتهاءها، عاد السؤال ليطرح نفسه عند الكثير من الناس: "هل من خوف من عودة حرب داخليّة أو خارجيّة؟".
وتعزّزت هذه الهواجس مع ما سمّي العام 1991 عمليّة "إعادة بناء الدولة" وإطلاق مسيرة ما سمّي بـ"مشروع الاعمار"، لكنّ لبنان لم يستطع التنعّم بلحظات الاستقرار، فالحروب الاسرائيليّة على لبنان جعلت اللبناني عرضةً للخوف المستمرّ للتعرّض الى القتل والتهجير.
والحروب لم تكن الشيء الوحيد الذي يخشى اللبنانيّون وقوعه، بل كان الخوف من تداعيات قرارات دوليّة أو صفقات اقليميّة على حساب لبنان أشدّ، لاسيما مع تغيّر السياسة الخارجيّة للدول الكبرى في العالم، مع دخول الولايات المتحدة الاميركيّة والعالم بعد أحداث 11 ايلول 2001 في مواجهة مع "الارهاب" أو "محور الشر" الذي تمثله كل من ايران - العراق - كوريا الشماليّة والدول والمنظّمات التي تدعمها لاسيما حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، وفقاً للمقولة الاميركيّة.
اما داخلياً، فكانت اللعبة تتغيّر والاصوات المطالبة بخروج الوصاية السوريّة التي كرّسها اتفاق الطائف تزداد ما أدّى الى صدور قرار عن مجلس الامن الدولي رقم 1559 في 2 ايلول 2004 يشدّد على سيادة لبنان واستقلاله ويطالب جميع القوات الاجنبيّة المتبقية بالانسحاب من لبنان، كما يدعو الى حل جميع الميليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة ونزع سلاحها، في إشارة الى سلاح "حزب الله" والفصائل الفلسطينيّة.
وهذا ما أدّى الى نوع من النفور في العلاقات بين الفرقاء اللبنانيّين انفجرت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005 وتشكيل لجنة دوليّة للتحقيق بالجريمة. وقد دفع الاحتقان الحاصل في الشارع والذي تمثّل بـ14 اذار أو ما يعرف بـ "ثورة الارز" الى خروج الجيش السوري من لبنان في 25 نيسان من العام نفسه.
صحيح أنّ "الحرب الاهليّة" او "الكبرى" انتهت، لكنّ اللبناني منذ اتفاق الطائف حتى اليوم لم ينعم بلحظة استقرار واحدة، من خلال الانقسام والشرخ الهائل الحاصل، بين "الاكثرية" و"الاقلية" أو بين "14 اذار" و"8 اذار" أو بين "السنة" و"الشيعة" أو "المسلمين" و"المسيحيين"، وهذا ما ادى الى حالات من شغب واضطرابات في الشارع خلقت رعباً في نفوس المواطنين، لاسيما من تداعيات حصول حرب "مذهبيّة" هذه المرة.
ولعلّ أبرز الامثال على ذلك، ما يعرف بـ"23 كانون" و"7 ايار"، وعدد هائل من الاغتيالات التي حصلت في لبنان منذ العام 2005، والتفجيرات التي طاولت مواطنين عزّل وممتلكاتهم.
اذا كانت الازمة اللبنانية تأخذ في كل مرحلة من مراحل لبنان أوجهاً مختلفة، فإنّ السبب واحد ويعود الى نظامٍ يضع اللبنانيّين في مواجهة مع بعضهم البعض أدّت الى فقدان الثقة بينهم، ما دفعهم الى استدعاء دول خارجيّة للاستقواء وفرض مشاريعهم الخاصّة. وهذا ما يرسخ ويبرهن ويكرّس الاختلاف الواضح في النظرة الموحّدة بين الفرقاء اللبنانيّين حول مستقبل لبنان وشكل الدولة اللبنانيّة وهويّتها.
في ذكرى 13 نيسان، نسأل "هل حقاً انتهت الاسباب التي أدّت الى اندلاع الحرب في لبنان؟ وهل فعلاً تحقّقت المصالحة الوطنيّة بين اللبنانيين؟ وما هي الضمانة من عدم تكرار هذه الصفحة المؤلمة من تاريخنا؟". ولعلّ السؤال الاهم: "ما هي الطريقة الفضلى لتمثيل الطوائف في الدولة من دون أن تكون الطائفيّة هي الضمانة لها، وبالتالي اخراجها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك