يقول وزير الداخلية زياد بارود انه لا يتمنى لعدوه ان يكون وزيراً لداخلية لبنان في هذه الظروف.
رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لا يقول الامر نفسه، الا ان التعب والمرارة هما اليوم اقرب الى لسان حاله.. ولو لم يكن في غمار تحمل المسؤولية وحلف اليمين الدستورية على حمل اعبائها والاضطلاع بكل مستلزماتها في ظل الظروف الحالية الصعبة لكان قال الكثير عما يتعرض له في موقعه المرجعي الرئاسي من صعوبات وتحديات وعراقيل يعمل على مدار الساعة النهار والليل على حلحلة المعقد منها او التخفيف من نتائجها وتداعياتها، وهو الرئيس التوافقي الذي اجمع عليه اللبنانيون بكل اطرافهم وفئاتهم وطوائفهم ذات ايار/مايو.
عبء المسؤولية يلقي بثقله على كاهل رئيس الجمهورية المحروم هذه الايام من اعطاء نفسه الوقت الكافي كأب لأسرة فرح مؤخراً لنبأ حمل احدى بناته بتوأم لينضما الى احفاده الاربعة الآخرين، حتى ان اعباء الحكم والمتابعات تستنـزف اوقاته وتصرفه عن رياضته العادية اليومية والاهتمام بأبسط مقتضيات الحفاظ على صحته.
الا ان متاعب سليمان وهمومه لا تتأتى من هذا الواقع وهو في كل الاحوال نتيجة وليس سبباً لما يثقل عليه.
ولعل اقسى ما يواجهه اليوم هو الوضع الناشىء عن استمرار الفراغ على مستوى السلطة الاجرائية من جراء تأخر تشكيل حكومة جديدة في ظل وجود حكومة تصريف اعمال ليس بامكانها حسب الدستور اتخاذ اي قرار كبير او صغير، فكيف اذا كان بوزن ما يتعرض له اللبنانيون في ساحل العاج او ما جرى في سجن رومية على سبيل المثال لا الحصر.
ورغم انه يمثل الموقع الاول في البلاد فإن اي زائر لقصر بعبدا يدرك بوضوح ان مفتاح التشكيل ليس في يده وان اسراره في علم الغيب بالنسبة له، رغم انه يملك مفتاح التوقيع على اية تشكيلة حكومية يتفق عليها ومرد ذلك معروف علماً ان رئيس الجمهورية بعد الطائف هو غيره قبله وعندما طرح سليمان فكرة التعديلات الدستورية في بداية عهده كان محركه البحث عن مخارج عندما تسد الآفاق امام الحلول.
.. وكرئيس توافقي يحاذر سليمان الوقوع في اي فخ يمكن ان يكون منصوباً له لجره الى موقع في هذا الاتجاه او ذاك، لا يريده وليس من طبيعته والكل جرّب حظه معه، فتراه عرضة للحملات السياسية والاعلامية طوراً من هذا الفريق وطوراً آخر من الفريق الآخر.. الا ان الكل مدرك موقعه وموقفه وسعيه للتقليل من الازمات والعمل اذا كان لا بد من ذلك على ادارة التناقضات السياسية الحادة السائدة منعاً لتفاقم الاوضاع من جهة وسعياً لاجتراح ما ينفس أي فصل جديد من فصول احتقان اصطدم بها منذ ان كان قائداً للجيش وليس فقط لدى توليه سدة الرئاسة الاولى.
في موضوع تشكيل الحكومة يصب سليمان جام غضبه على رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورغم ان رئيس الجمهورية لا يتحدث بالموضوع وينأى بنفسه عن خوض مماحكات لا فائدة منها، فإن عنوان العراقيل أمام ولادة الحكومة الجديدة ليس لها بالنسبة له كما يقول مقربون منه إلا عنوان عون ((كأن لا عمل له)) كما يضيف هؤلاء إلا العرقلة منذ ان كان قائداً للجيش ولدى توليه رئاسة الحكومة الانتقالية أواخر الثمانينيات.
ويقول أحد الضباط المقربين في ذلك الوقت من عون انه كان يقول لهم عندما كان في قصر بعبدا انه يقاتل من أجل قضية وانه لن يترك أحداً من رفاقه أو يتخلى عنهم مهما اشتدت الضغوط والظروف، لكنه في 13 تشرين الأول/اكتوبر 1990 فرّ إلى السفارة الفرنسية وألحقت به عائلته إلى هناك فيما ترك ضباطه كل واحد في مكان لا يعرف الواحد منهم مصير الآخر أو مصير عائلته دون أن يسأل إلا عن نفسه.
وينقل هؤلاء عن رئيس الجمهورية انه واثق بأننا إذا اجتمعنا اليوم ووافقنا على كل مطالب عون للحكومة، فإنه سيعمد إلى وضع مطالب جديدة أعقد وأصعب. وما ذلك إلا للعرقلة.
ربما كان رئيس الجمهورية يطلب لجم عون غامزاً من قناة حليفه حزب الله الذي يرى في رئيس تكتل ((التغيير والاصلاح)) الحليف المسيحي القوي الذي يبحث عنه. وينقل سليمان انه دائماً ما يستعيد وقائع مرحلة كان التعاون فيها ممتازاً بينه وبين المقاومة عندما كان قائداً للجيش، وعندما كانت ظروف المواجهة مع العدو الاسرائيلي تتطلب أقصى درجات التعاون لتعزيز إمكانات الصمود والتصدي اللبناني للتهديدات الإسرائيلية.
في بعبدا ثمة الكثير مما يقال في هذا الموضوع وغيره، فعند الحديث عن أي فريق أو أي موضوع يبدأ سياق من الكلام الطويل حول رغبة كل فريق بأن تكون الرئاسة الأولى على قياس مواقفه وفي مواجهة الفريق الآخر. وهو ما يقول سليمان انه رفضه سابقاً ويرفضه اليوم وسيرفضه مستقبلاً حتى آخر يوم من ولايته لأنه أولاً رمز وحدة البلاد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك