قدم الرئيس المصري السابق حسني مبارك 45 سنة من عمره في خدمة مصر، كذلك فعل نظيره التونسي زين العابدين بن علي مع بلده، على ما يقول الاثنان في اعلان ترويجي لاحدى محطات التلفزة الاخبارية.
يستنتج المشاهد ان الرئيسين يريدان ان يقولا لشعبيهما انهما يستحقان ان يبقيا مدى الحياة في سدة الحكم، وحتى توريثها الى الابن او الزوجة. حجة الأول كانت أنه بطل «حرب أوكتوبر»، وحجة الثاني أنه وفر الاستقرار لتونس.
التعليلان غير مقبولين في البلدين، بدليل ان الرئيسين تسللا من جنة الحكم تحت ضغط الشعبين، اللذين لم يستفتيا، يوما، في رئاستيهما، بل كان الترهيب وتزوير الارادة الشعبية جوازي المرور الحتمي للتمديد لكل منهما.
المنطق نفسه يجمع بين مبارك وبن علي و»الحزب القائد»: يعاني الأخير من مرحلة بطالة تعيشها صنعة المقاومة، يحاول تغطيتها بعمل جزئي مقنع، منه 7 أيار 2008 ثم الانغماس في دور مرشد السياسة الداخلية.
وكما برر مبارك وبن علي هيمنتهما و»قبليتهما» على الحكم بما أنجزاه في مرحلة معينة، يحرص «الحزب القائد» على التذكير بمصادرته انجاز اللبنانيين عموما، والجنوبيين منهم خصوصاً، تحرير الأراضي المحتلة، ليبرر فرض دوره الديّان فوق رؤوس الجميع: فهذا طاهر ولو أثبتت «ويكيليكس» ادانته، وذلك مدان، ولو أظهرت الوقائع براءته، وهذا وطني وذاك خائن.
القذافي كمبارك وبن علي. كذلك علي عبد الله صالح. الأول «حرر» ليبيا من السنوسية والقواعد العسكرية الأجنبية، والثاني انهى انقسام اليمن. لكن هل يكفي «انجاز» في زمن غابر، لاحتكار رأي الشعب وصوته وخياراته وأمانيه ورؤاه؟
لم تعدم هذه الأنظمة وسيلة لاطالة اعمارها، ولم ينقص بعضها، رعاية أو مراعاة أميركية او اسرائيلية. مع ذلك، حين دقت ساعة الحرية لاسقاطها، تهاوت.
بطالة «الحزب القائد» يغذيها تناقض أدائه السابق مع الديموقراطية اللبنانية، على هشاشتها. وهو يستعين بفائض القوة من جهة، و»السمعة» المكتسبة، من جهة أخرى، ليفترض قدرة لديه على التحكم بلبنان واللبنانيين وحتى المحيط.
ربما عليه أن يتعظ من تجربة الثورة الجزائرية. فـ»المجاهدون» سيطروا على البلاد بعد التحرير، وفرضوا منطقهم، و»مصالحهم»، تحت عنوان ان كل شيء مباح للمجاهدين، ما أوصل البلاد الى حافة الانهيار الاقتصادي والسياسي مطلع تسعينات القرن الفائت.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك