في وقت تتضارب فيه المعلومات وتتناقض التسريبات حول التشكيلة الحكومية، وبالرغم من الاجواء الايجابية التي يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري إشاعتها عن قرب ولادة الحكومة الميقاتية الثانية، يرى مراقبون حياديون أنّ الأزمة الحكومية دخلت فعلا لا قولا عنق الزجاجة، وباتت محكومة بعوامل إقليمية ودولية وخارجية ليس من السهولة التوفيق بينها. فالولايات المتحدة ما زالت ترفض ما تصفه بـ"حكومة حزب الله"، وهي لا تبدي أيّ ليونة في هذا الشأن، بل على العكس تماما، فإنها تزداد تشددا في ظل التحولات التي تعصف بالمنطقة. وكذلك الامر فإنّ سوريا، التي قرعت الاحداث الامنية أبوابها بعنف، تسير باتجاه التعنت تجاه الوضع البناني في مشهد يوحي وكأنها في صدد إجراء عملية تصفية حساب مع من تتهمهم بالتدخل في الشأن السوري الداخلي، والضلوع في أحداثها. اما السعودية فهي تخضع للتيارات السياسية داخلها، وهي تيارات متوازية ومتساوية الفاعلية تتراوح مواقفها بين حدي الدخول على الخط اللبناني لحماية السنية السياسية التي باتت على شفير الانهيار، والخروج من دائرة لبنان والانصراف إلى الشأن السعودي الداخلي الذي لا يسير وفق وجهة نظر هذا التيار في الخط السليم، بل إنه عرضة للتأثر بالرياح الخليجية غير المستقرة.
هذا على صعيد الخارج. أما الحسابات الداخلية فيبدو أنها لا تقل تعقيدا على الاطلاق. فالاكثرية الجديدة لها اجندتها السياسية، ولرئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي حساباته التي تتعلق بوراثة الزعامة السنية، ولرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان نظرته إلى الأمور، وهي تتعلق بحسب زواره بمستقبله السياسي القريب والبعيد في ظل التحضير للانتخابات النيابية المقبلة بعد سنتين. وللمعارضة الجديدة بقيادة رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري مشاريعها الخاصة، وهي مشاريع تتعدى التعاطف مع أجواء المعارضة السورية والخط السعودي المتشدد لتصل إلى حدود الارتباطات الخارجية المعقدة التي تدفع باتجاهات مختلفة.
هذا المشهد المعقد يدفع بالازمة الحكومية إلى عمق الازمة التي قد يستحيل الخروج منها في ظل الشروط الداخلية والاقليمية والدولية المتبادلة، فالولايات المتحدة لن توافق على حكومة تعطي ثلثي الوزراء للاكثرية الجديدة، بما يسمح لها بتمرير مشاريعها بسهولة وسلاسة من خلال النجاح في التصويت على الملفات الساخنة التي قد تطرح على التصويت في مجلس الوزراء العتيد، وبالتالي فإنها تشترط للاعتراف بالحكومة الجديدة ان يقبض رئيسا الجمهورية والحكومة على الثلث المعطل أي 11 وزيرا في حكومة ثلاثينية أو تسعة وزراء في حكومة عشرينية. هذا على أقل تقدير. من جهتها تتشدد سوريا في الملف الحكومي اللبناني بعد ان لامس الخطر الامني المقبل من لبنان الخطوط الحمراء، وهي تصر بحسب المتصلين بها على تسليم الوزارات الامنية الحساسة إلى حلفائها في لبنان، وذلك للحد من المخاطر الامنية والسياسية التي تحدق بها، وذلك تسهيلا لدورها في ضبط امورها الداخلية التي ما زالت جمرا تحت الرماد، وبالتالي فانها تدفع باتجاه تسريع الامور في ظل تعدد القراءات لكلمة الرئيس السوري بشار الاسد الاخيرة.
وانطلاقا من هذا الواقع، لا تستبعد مصادر في الاكثرية الجديدة أن تشهد الساحة الداخلية نوعا من المفاجآت غير السارة على غرار اعتذار رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وبالتالي إعادة تكليف شخصية سنية معارضة قادرة على تشكيل حكومة تحدي اذا جاز التعبير تأخذ على عاتقها مواجهة كل هذه المطالب انطلاقا من اجندة الاكثرية الجديدة من دون الاخذ بالاعتبار سائر الشروط والمطالب.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك