كتب شادي الياس في موقع mtv:
يوم ٣ تشرين الثّاني من العام ١٩٦٩، تمّ التّوقيع على اتّفاقيّة القاهرة بين الموفَدِ اللّبنانيّ المُرسَل من رئيس الجمهوريّة شارل الحلو، ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة والقاهرة ممثّلةً بوزيرَي الدّفاع والخارجيّة المصريَّيْن برعاية الرّئيس جمال عبد النّاصر.
في بدايةً في التّعريف بسيرة حياة الرّئيس شارل الحلو، تخرّج من جامعة القدّيس يوسف في بيروت بتخصّص المحاماة. كان سياسيًّا هادئًا، وكاتبًا في الصّحف الفرنسيّة، وقد نسج علاقاتٍ متينةٍ مع الفاتيكان والعديد من الدّول.
شغل أربع مناصب وزاريّة في عدّة حكوماتٍ لبنانيّةٍ، حيث أثبت فيها جدارةً وكفاءةً عاليةً في تحمّل المسؤوليّة.
بعد محاولاتٍ لعدم التّجديد للرّئيس فؤاد شهاب، تمّ طرح اِسم شارل الحلو للرّئاسة، فحاز على موافقة الرّئيس فؤاد شهاب، ورئيس الحكومة حسين العوَيْني، وانتُخِبَ رئيسًا للجمهوريّة بأكثريّة ٩٢ صوتًا من أصل ٩٩ نائبًا في ٢٣ أيلول ١٩٦٤.
مع البيئة الحاضنة من الطّوائف المسلمة في لبنان، وتأييدهم للنّشاطات الفدائيّة الفلسطينيّة في لبنان، بدأت التّوتّرات عند محاولة بناء مركز قيادة للتّنظيم الفلسطيني في مخيّم نهر البارد في شمال لبنان، وبعد منع تنفيذ البناء من الدّولة اللّبنانيّة، حصلت احتجاجاتٌ من اللّاجئين الفلسطينيّين، ما أدّى الى وقوع إشكال، واشتباك مع عناصر المخفر، ثمّ الهجوم على جميع مخافر الدّولة اللّبنانيّة في الشّمال واحتلالها مع تسارع الأحداث بين الفلسطينيّين، والجيش اللّبنانيّ. أَغلقت سوريا حدودها الشّماليّة لتقول أنّها تدعم المنظّمة في لبنان، ومصر بدأت بالضّغط السّياسيّ أيضًا، فأصبح هناك عمليّة تطويق إقليميّ للقرار الدّاخليّ اللّبنانيّ، وواجهه الرّئيس شارل الحلو المحامي المثقّف، والرّجل الرّاقي، والكاتب في الصّحف الفرنسيّة، والّذي تجمعه علاقات رفيعة مع الرّئيس المصريّ جمال عبد الناصر الّذي ضغط عليه للقبول باتّفاقيّة القاهرة. واذا لم يقبل بها سيتم السّيطرة بشكلٍ كاملٍ على لبنان بدعمٍ من كلّ الدّول العربيّة، وتسليم لبنان لمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة.
طبعًا الرّئيس شارل الحلو ليس الرّئيس فؤاد شهاب أو كميل شمعون، فالمرحلة المستجدّة تتطلّب رئيسًا قويًّا ذات خلفيّة عسكريّة. فتردّد الرّئيس شارل الحلو متخوّفًا من هول الأحداث.
أمام هذا الضّغط الدّوليّ، كان قراره التّوقيع على اتّفاقيّة القاهرة الّتي كانت بمثابة تأجيل للحرب وإبرة مورفين مؤقّتة للأزمة اللّبنانيّة الّتي دمّرت لبنان لاحقًا بعد سنواتٍ عديدةٍ.
في الخلاصة: تتعرّض الأوطان في مسيرتها لمخاطر جمّةٍ تهدّد مستقبلها وكيانها، والكأس يكون مرًّا عندما ينقسم الشّعب بين مؤيّدٍ ومعارضٍ. بعد هذه الأحداث نرى الأردن المؤيّدة للقضيّة الفلسطينيّة سلطةً وشعبً، إتّخذت قراراتٍ بقيادة الملك حسين، حمت فيها مستقبل البلاد، وحافظت فيه على مستقبل الأمن والإستقرار في أيلول الأسود عام ١٩٧٠. أمّا في النّموذج اللّبنانيّ، فكان الثّمن باهظًا جدًّا، ممّا أسفر عن ما يزيد عن ١٨٠ ألف شهيد لبنانيّ، و٩٠ ألف مفقود وما يزيد عن مليون نازحٍ في الدّاخل اللبناني.
لذلك على ما يبدو أنّ لبنان في كلّ مرحلةٍ من تاريخه، يتعرّض لضغوطٍ دوليّةٍ لحلّ مشاكل الآخرين على أرضه وعلى حسابه. لذلك على المعنيّين أن يسعوا لمجيء مسؤولين، وقادة على رأس الدّولة اللّبنانيّة، وأن يكونوا على قدر المسؤوليّة وعدم التّردّد في اتّخاذ القرارات الصّعبة للمصلحة العامّة.
إنّ المنطقة ما تزال تركن على أزماتٍ متنقّلةٍ، ولبنان ليس بحيادٍ عنها. وهناك استحقاقات صعبة تحاصر لبنان. فهل من رجل دولة لبنانيّ قادر على تحييد الوطن من كأسٍ مرٍّ منتظر؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك