كتب ميشال أبونجم في "الشرق الأوسط":
يرى اللواء عباس إبراهيم، المدير العام السابق للأمن العام اللبناني، أن اشتعال جبهة غزة بين حركة «حماس» وإسرائيل يدفع الملف الرئاسي اللبناني خطوات إلى الوراء، لا بل «يجعله هامشيّاً وثانويّاً». كذلك نبه من أن سعي إسرائيل إلى اقتحام قطاع غزة عبر عملية عسكرية أرضية، يبدو أنها تُحضر لها سيعني اشتعال الحرب على كثير من الجبهات، بما فيها جبهة الجنوب اللبناني، عملاً بمبدأ «وحدة الساحات»، وبالتالي، وفق قراءة المسؤول الأمني اللبناني السابق، فإن ملف الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، والوضع اللبناني بشكل عام، سيختفي عن شاشة الاهتمامات. وبرأيه، فإن فرنسا يمكن أن تؤدي خدمة للبنان، إذا ضغطت على إسرائيل لتجنب تفجير الجبهة الجنوبية.
جاء كلام عباس إبراهيم في لقاء مع مجموعة من الصحافيين، بمناسبة وجوده في باريس، حيث تناول موضوعين رئيسيين: تعقيدات الوضع اللبناني من جهة، والحرب في غزة. وفي ملف الانتخابات الرئاسية، يرمي إبراهيم المسؤولية، من جهة، على الداخل اللبناني «حيث تكيّفت غالبية اللبنانيين مع الوضع القائم، ما شكّل عامل اطمئنان للسلطة وللجهات الخارجية التي تكتفي حتى الساعة بإدارة الأزمة».
وندد بالأطراف اللبنانية التي «تكتفي بتبادل الاتهامات، وتقاذف المسؤوليات عن الانهيار واستمرار الفراغ... ما يجعل لبنان ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات السيئة بل الكارثية»، بما في ذلك «الاهتزازات الأمنية» التي تتزايد احتمالات وقوعها مع الانسداد السياسي.
وفي الموضوع الرئاسي، ينظر إبراهيم بكثير من الشك، إلى الدور الذي تلعبه اللجنة الخماسية: (الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة السعودية، ومصر، وقطر) حيث إن دورها اليوم «أصبح محكوماً بالموقف الأميركي الذي يقتصر راهناً على تمرير الوقت، عبر مطالبة المسؤولين اللبنانيين بتنفيذ الإصلاحات، وانتخاب رئيس للجمهورية». ويستطرد إبراهيم قائلاً إن واشنطن «ليست بعد جاهزة للحل وقد كلفت فرنسا، في وقت من الأوقات، أن تملأ الفراغ بالحراك الذي قامت به، والمستمر بخجل. لكن الدور انتقل اليوم إلى قطر، وإذا فشلت قطر، فسينتقل إلى طرف آخر». ومشكلة الخماسية، كما أوحى بذلك، كان في اعتبار أنها «قادرة على إنجاز تسوية رئاسية من غير إيران». بيد أن الأهم بالنسبة إليه اليوم، هو الحوار الجاري حالياً في مسقط، بين الطرفين الأميركي والإيراني. وهذا الحوار «يجب أن ينتج شيء عنه للمنطقة، وقد ينتج عنه (سد الفراغ) على رأس الجمهورية، كما نتج عنه رئيس في عام 2016».
ويعد المسؤول الأمني اللبناني السابق أن حرب غزة «قلبت الأمور رأساً على عقب» بمعنى أن الأولويات تغيرت، وأن ما كان صالحاً سابقاً لم يعد صالحاً اليوم. ومن ذلك أن إدارة الرئيس بايدن، كانت تسعى لتجميع الأوراق الرابحة تهيؤاً للانتخابات الرئاسية، والتي كان من ضمنها مواصلة عملية التطبيع في المنطقة، والوصول إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان، وإعادة تحريك الملف النووي مع إيران... وللتذكير، فإن العودة إلى الاتفاق النووي مُعدَّلاً كانت أحد أهداف دبلوماسية الرئيس جو بايدن. لكن السياق اليوم تغير، حيث تبدو الأمور معلّقة بما سيحصل في غزة. وفي أي حال، يعد إبراهيم، أن الوضع اللبناني «عصي على الحل إلا إذا حصل تدخل دولي أكبر من اللجنة الخماسية». وتساءل: «ربما غداً يصبح ملف رئاسة الجمهورية جزءاً من حل المشكلة بمعنى: خذوا الرئيس و«روقوا» الجبهة».
ولم يفصل المدير العام السابق للأمن العام اللبناني، الجهة التي يعنيها: أهي إيران أم «حزب الله»؟... إلا أنه، في السيناريوهات كافة، يريد إيصال رسالة من شقين: الأول، أن الحوار بين اللبنانيين، وإن لم يأتِ بنتيجة (بخصوص الرئاسة) إلا أنه أفضل الطرق؛ لأن القطيعة الدائمة لن تؤدي إلا لمزيد من الكراهية، وبناء جدار طائفي بين اللبنانيين. والشق الثاني: أن المهم ليس هوية شخصية الرئيس، بل البرنامج الذي يريد أن يصبح على أساسه رئيساً للجمهورية. وقال: «ما يهمني أن يأتي عهد يكون بمثابة ورشة إصلاحات، وأن يكون الرئيس مقتنعاً بها. نريد برامج ومشكلاتنا لا تحلها إلا البرامج».
أما بالنسبة لحرب غزة، فأكد إبراهيم أن «هناك قرارا كبيرا بفتح كل الجبهات (لبنان، سوريا، العراق ...)، إذا تجرأت إسرائيل على الدخول إلى غزة، وإذا فعلت، فإنها ستشعل المنطقة كلها». كذلك نبّه من استهداف القيادات الفلسطينية بعمليات اغتيال في لبنان، وسوريا، وفلسطين، إذ عندها «ستكون هناك ردات فعل عنيفة ضد إسرائيل». وخلاصته أنه «يتعين على عقلاء العالم أن يتدخلوا. هم يفعلون ذلك اليوم، ولكن ليس على المستوى المطلوب».
أما بالنسبة للأخبار التي تحدثت عنها الصحافة الأميركية (وول ستريت جورنال) لجهة حصول اجتماعات في الضاحية الجنوبية في بيروت، معقل «حزب الله»، للتنسيق بين أطراف «جبهة الممانعة»، فقد أكد إبراهيم، المعروف بعلاقاته واتصالاته مع الأطراف كافة، داخل لبنان وخارجه، في الإقليم وفي كثير من العواصم الأوروبية الرئيسية، حصول كثير من هذه الاجتماعات التي تجري مرة في الأسبوع، أو كل 10 أيام.
أما في ملف ترسيم، أو تأكيد، الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، والتي كان يعمل عليها المبعوث الأميركي آموس هوكستين، فقد رأى إبراهيم، الذي تواصل معه، أن «الأمور ليست ناضجة، والوضع اليوم أصبح أكثر صعوبة، وبالتالي فإن الترسيم يحتاج لكثير من الوقت». وتجدر الإشارة إلى أن هوكستين كان مهندس الترسيم البحري الذي سمح لبيروت أن تطلق عملية للبحث عن الغاز في المياه اللبنانية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك