كتب كبريال مراد في موقع mtv:
بعد ١٢ عاماً على الأزمة السورية، نشهد هذه الأيام عودة دمشق الى الحضن العربي. وستحمل الأيام المقبلة معها مزيداً من الزيارات واللقاءات والاتصالات للرئيس السوري بشار الأسد، اذ أن زيارة الإمارات لن تكون آخرها.
ومع رسم هذه المشهدية الجديدة، يمكن القول إن المنطقة دخلت في تسوية، ما قبلها سيختلف عما بعدها.
وحتى لا نضيع في التحليلات والتأويلات والآمال، فالعودة الى الواقع اللبناني أكثر من ضرورة. فاذا كان على لبنان أن يحفظ رأسه عند صراع الدول، عليه أن يكون أكثر حرصاً على حماية نفسه عند تقارب الدول وتعانقها، حتى لا يدفع في السلم أثماناً لا تقل ثقلاً عن تلك التي دفعها في فترات الحرب.
من هنا، لا بد على الجانب اللبناني وأن يبادر الى حفظ موقعه على طاولة التفاوض. والموقع هذا لا يتعلّق بمكاسب صغيرة، لطرف أو حزب أو فرد أو جماعة، بل يرتبط بمقاربة استراتيجية كيانية، لما يستعيد ركائز الدولة وديمومتها.
ومن أهم المخاطر في هذا السياق، يبرز ملف النزوح السوري في لبنان، والذي يشبّهه البعض بالقنبلة الموقوتة، وقد تعاطى معه كثيرون في زمن الأزمة، بمقاربة الاستفادة والمكاسب المالية، من جمعيات ومؤسسات، نمت وكبرت، مع نمو الوجود السوري في لبنان وزيادة أعداده.
لذلك، لا بد من مقاربة جدّية وعملية، تؤمّن معالجة هذا الملف كأولوية لبنانية، في زمن التسوية العربية السورية.
فوفق الأعداد، تشكّل نسبة النازحين السوريين 30% من المقيمين في لبنان. ونسبة ولادات النازحين السنوية باتت قريبة جداً من نسبة ولادات اللبنانيين.
فعدد النازحين، وفق التقارير الرسمية اللبنانية هو مليونان و82 ألفاً، بينما أرقام مفوضية اللاجئين تتحدث عن 840 ألفاً فقط. وبعيداً من تشكيك أصحاب النيات السيئة في أسباب هذا الفارق، سنسلّم جدلاً بالتقصير في ضبط المعابر غير الشرعية واستخدامها من النازحين للاستمرار في الاستفادة من المساعدات التي تُقدم لهم شهرياً.
لكن الأخطر في هذا السياق، هو وجود حوالى 200 ألف طفل سوري ولدوا في لبنان منذ العام ٢٠١١ وحتى اليوم، أي بمعدل 20 ألفاً سنوياً. وقد ارتفعت هذه الأرقام وفق آخر إحصاء لتصل إلى 50 ألف ولادة سنوياً مقابل 70 ألف ولادة لبنانية.
وفي حال استمرت الأمور كما هي، سيصبح معدّل النازحين بعد خمس إلى عشر سنوات، بمعدل 50% من المجتمع في لبنان.
لذلك، وحتى لا تأتي التسوية على حساب وجه لبنان وهويته، لا بد من مقاربة مسؤولة لملف النازحين، تسمح بعودتهم الآمنة الى بلادهم، فلا يحمل لبنان أعباء اضافية، تهدد كيانه ومؤسساته واقتصاده واستعادة عافيته.
هي أولويّة في زمن التسويات. فلنقبض هذه المرة ثمن الحلول استقراراً فعلياً، بدل أن ندفع من وطننا أثماناً لم نعد قادرين على تحمّلها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك