جاء في صحيفة "اللواء": لا حديث هذه الايام في الوسط الطرابلسي يطغى على موقف وزير المال محمد الصفدي بالخروج المبكر من سباق الانتخابات النيابية قبل سبعة اشهر من موعدها الدستوري، حتى ان هذا الموقف غطى على يوميات المدينة الامنية المقلقة وهمومها المعيشية والاقتصادية المتردية والظاهرة للعيان في حركة الاسواق المتثاقلة وحالة العوز في الازقة والزواريب، تساؤلات لا تتوقف واستفسارات متواصلة عن الاسباب والدوافع لموقف الصفدي الذي فاجأ معظم الطرابلسيين في توقيته، باستثناء العارفين منهم عن المسببات والدوافع الحقيقية غير المعلنة لهذا القرار الذي يأتي في نظرهم كنتيجة مباشرة لفشل صيغة التحالف التآمري الذي ضمّه والرئيس نجيب ميقاتي للانشقاق عن تحالف قوى 14 آذار وخيانة ثقة الناخبين الطرابلسيين الذين انتخبوهما على اساس مبادئ ومسلمات مسيرة السيادة والاستقلال وانضمامهما الى الحلف السوري الايراني ممثلاً بحزب الله بالداخل اللبناني في حمأة المواجهة المحتدمة مع الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي عموماً للتصدي للمشروع الايراني الهدّام، وذلك طمعاً في الوصول الى السلطة، خلافاً لرغبات وتوجهات ومشاعر ابناء عاصمة الشمال خصوصاً واللبنانيين بمعظمهم.
وينقل هؤلاء العارفين الطرابلسيين عن مقربين من الحلقة الضيقة لوزير المال جملة مسببات ودوافع متداخلة حملته على اتخاذ هذا الموقف المبكر، ويأتي في مقدمها حالة الاحباط الشديدة التي اصابته جراء التعاطي الملتبس مع ميقاتي الذي لم يفِ بالحد الادنى من وعوده وتعهداته التي تم التفاهم عليها مسبقاً والتي بقيت بمعظمها كلاماً بكلام، في حين لم تنفع كل الاعتراضات التي وصلت الى حدود «الزعل» في تصحيح مسار هذه العلاقة واعادتها الى وضعها الطبيعي، بل كانت هذه الاعتراضات تقابل بتصرفات معاكسة وكيدية في أحيان عديدة، وهو ما يؤشر الى نوايا مبيتة لتهميش موقع ومكانة الوزير الصفدي واستبعاده من موقع الشريك التحالفي المتساوي، الى موقع الصف الثاني والتابع.
ويروي هؤلاء العارفون بعض محطات ووقائع مسيرة العلاقات التحالفية الملتبسة بين الحليفين المتنافرين حالياً، فيشيرون الى انه واثناء اللقاءات الثنائية التمهيدية المطولة التي افضت الى انشقاقهما عن تحالف قوى 14 آذار والانضمام الى تحالف «حزب الله» والثامن من آذار، تم التفاهم بينهما على امور عدة اساسية تشكل مرتكزاً لاستمرارية هذا التحالف، أبرزها التناوب على تولي رئاسة الحكومة بينهما، على ان يدعم كل منهما الآخر وذلك لقطع الطريق على وصول أي مرشح آخر لرئاسة الحكومة وتحديداً رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري لهذا المنصب، وان يبقيا على تشاور متواصل فيما خص المسائل والامور والقضايا المهمة والحساسة، والابتعاد عن التفرد والاستئثار والتهميش أياً كان نوعه وسببه.
ولكن بعد إتمام مراسم الانقلاب على رفض تسمية الحريري رئيساً للحكومة وتسمية ميقاتي بدلاً منه بأصوات التحالف الطرابلسي المستجد القليلة العدد، بدأت مؤشرات التفرد واجراء التفاهمات، وتقديم التنازلات المقدمة للتيار العوني وتوزيع الحقائب بمعزل عن التشاور مع الصفدي في معظمها وهو الامر الذي ولّد وساوس جدّية تؤشر بأن الخديعة قد انطلت على الأخير ولم يعد بإمكانه التراجع أو فسخ التحالف الحاصل لاعتبارات عديدة، ثم ظهر بوضوح موضوع التفرد بالقرار خلال الاجتماعات والاتصالات التي جرت لتخريج موضوع تمويل مشاريع الكهرباء بمعزل عن مشاركة فاعلة لوزير المال فيها واستتبعت بمسألة استئجار بواخر توليد الكهرباء وتداعياتها، بعدما اتهم الرئيس ميقاتي حليفه وآخرين بعرقلة الوصول الى اتخاذ قرار نهائي بشأنها من خلال سعيهم لتقاضي عمولات مالية كبيرة كشرط مسبق للموافقة عليها كما نقلت بعض وسائل الاعلام يومذاك عنه، وهو الامر الذي ادى الى زيادة الشرخ الحاصل في العلاقة الملتبسة بين الحليفين، ولم تفلح كل اللقاءات التصالحية وحفلات تبويس اللحى في ترميم العلاقة المتصدعة واعادتها الى سابق عهدها، ناهيك عن التجاهل المتعمد لدور وزير المال في المفاوضات التي جرت مع الاتحاد العمالي وارباب العمل للتوصل الى صيغة مقبولة لزيادة غلاء المعيشة في القطاع الخاص وتفرد رئيس الحكومة القيام بها، ناهيك عن مسائل وقضايا اخرى لها علاقة بتباين وجهات النظر حول الصيغ المطلوبة لتشريع الصرف الحكومي والتفاوض مع المعارضة بمعزل عن اي دور لوزير المالية فيها، اضافة الالتباس الحاصل بإعداد مشاريع الموازنات للاعوام السابقة والتي لم يناقش اي منها في المجلس النيابي بعد والانكباب على وضع سلسلة الرتب والرواتب من دون توافر الاعتمادات المالية المطلوبة لها.
ولم يقتصر الامر عند هذا الحد، بل تجاوزه الى موضوع تردي علاقة الحكومة ككل مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً، وفي هذا الخصوص يحمل المقربون من الصفدي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تبعات ما وصلت اليه هذه العلاقات مع تردي ومقاطعة الحكومة الحالية لانه لم يأخذ على محمل الجد الموقف السعودي الرافض للتحالف مع قوى الثامن من آذار ولم يأبه لتحذيرات الصفدي منذ البداية وضرورة عدم تجاهله، وقد سمع يومها من الرئيس ميقاتي كلاماً مطمئناً عندما قال له بالحرف: «لا تقلق موضوع «تزبيط» العلاقة مع السعودية ومعالجة الموقف السعودي الرافض عندي وسأتولى حلها بعلاقتي الجيدة معهم».
ولكن مرت الاسابيع والاشهر وتبين للصفدي عدم صحة ما وعد به ميقاتي في هذا الخصوص، وهو ما انعكس ضرراً، ليس على تقليعة الحكومة ككل، بل على مصالح وعلاقات الصفدي الخاصة وتسبب بضرر كبير له.
ويضيف هؤلاء المقربون الى ان هناك ملاحظات كثيرة للصفدي على التعاطي الحكومي مع قضايا وحاجات ومطالب عاصمة الشمال، لم يؤخذ بالكثير منها وبقيت مهملة، في حين كان يمكن القيام بتنفيذ العديد من المشاريع الملحّة والضرورية في عهد الحكومة الحالية الطويل نسبياً ومن خلال وجود العديد من الوزراء في صفوفها مع رئيس الحكومة، ولكن تم تفويت هذه الفرصة الذهبية بالتهرب تارة وبالتأجيل والوعود والمماطلة الممنهجة في اكثر الاحيان.
ويتطرق هؤلاء الى حادثة استدراج عناصر من الامن العام للمطلوب شادي المولوي الى مكتب الصفدي للمساعدات والقاء القبض عليه هناك، وهو ما اعتبره وزير المالية بمثابة سيناريو مدبر للتأثير عليه شعبياً وسياسياً وحمّل مسؤوليته ضمناً للرئيس ميقاتي لأنه مسؤول عن كافة الاجهزة الامنية وكان بإمكانه تفادي ما حصل لو أراد ذلك أو اختيار مكان آخر لملاحقة المطلوب مولوي.
ويبقى في نظر هؤلاء العارفين من الوسط الطرابلسي ان السبب الاهم والاساس من كل الاسباب والوقائع المذكورة التي حملت وزير المالية للاعلان عن عزوفه المبكر عن خوض الانتخابات النيابية المقبلة، وهو انقلاب الواقع القائم لغير مصلحته بعد اندلاع الثورة الشعبية السورية التي لم تكن في الحسبان لدى إرساء تحالفه الملتبس مع ميقاتي، واصبحت تداعياتها السلبية على وضعية الحكومة اكبر من كل التوقعات لا سيما بعد تآكل هيبة النظام السوري الذي كان وراء قيام هذا التحالف خلافاً لتوجهات ومشاعر اكثرية الطرابلسيين واللبنانيين عموماً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك