مع اقتراب فصل الشتاء، يمثّل موسم الإنفلونزا تهديدا كبيرا، خصوصا هذا العام.
ويعمل باحثون ذوو خبرة في سياسة التطعيم والنمذجة الرياضية للأمراض المعدية في جامعة بيتسبرغ، بما في ذلك مارك إس روبرتس، وريتشارد ك زيمرمان، أستاذ طب الأسرة، على نمذجة الإنفلونزا لأكثر من عقد.
وتشير أعمال النمذجة التي أجريت أخيرا إلى أن موسم الإنفلونزا الخفيف العام الماضي قد يؤدي إلى زيادة حالات الإنفلونزا في الموسم المقبل. وخفضت استراتيجيات مكافحة "كوفيد-19" الإنفلونزا أيضا.
ونتيجة للتدابير التي وضعت في عام 2020 للحد من انتقال "كوفيد-19" - بما في ذلك الحد من السفر وارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي وإغلاق المدارس والاستراتيجيات الأخرى - شهدت الولايات المتحدة انخفاضا كبيرا في الإنفلونزا والأمراض المعدية الأخرى خلال موسم الإنفلونزا الماضي.
وانخفضت الوفيات المرتبطة بالإنفلونزا بين الأطفال من حوالى 200 في موسم 2019-2020 إلى حالة وفاة واحدة في موسم 2020-2021. وعموما، شهد موسم الإنفلونزا 2020-2021 واحدا من أقل عدد مسجل للحالات في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
وفي حين أن الحد من الإنفلونزا أمر جيد، إلا أنه قد يعني أن الإنفلونزا ستضرب أكثر من المعتاد هذا الشتاء. وهذا لأن الكثير من المناعة الطبيعية التي يطورها الناس للمرض تأتي من انتشار هذا المرض بين السكان.
وأظهر العديد من فيروسات الجهاز التنفسي الأخرى انخفاضا مماثلا أثناء الجائحة، وزاد بعضها، بما في ذلك الفيروس التنفسي بين الفصول، بشكل كبير حيث أعيد فتح المدارس وانخفضت تدابير التباعد الاجتماعي والإخفاء والتدابير الأخرى.
فك شيفرة الانتقال الفيروسي
تتضمّن المناعة ضد الإنفلونزا عدة عوامل. تحدث الإنفلونزا بسبب عدة سلالات من فيروس الحمض النووي الريبي التي تتحور بمعدلات مختلفة كل عام، بطريقة لا تختلف عن الطفرات التي تحدث في SARS-CoV-2.
ويعتمد مستوى المناعة الحالية للفرد ضد سلالة الإنفلونزا للعام الحالي على عدة متغيرات. وتشمل مدى تشابه السلالة الحالية مع السلالة التي تعرض لها الطفل للمرة الأولى، وما إذا كانت السلالات المنتشرة مشابهة للسلالات التي سبق أن تعرضت لها، ومدى حداثة عدوى الإنفلونزا هذه، إذا حدثت.
وبالطبع، فإن التفاعلات البشرية، مثل تجمع الأطفال معا في الفصول الدراسية أو الأشخاص الذين يحضرون التجمعات الكبيرة - بالإضافة إلى استخدام التدابير الوقائية مثل ارتداء القناع - كلها تؤثر على ما إذا كان الفيروس ينتقل بين الناس.
وهناك أيضا متغيرات بسبب التطعيم. وتعتمد مناعة السكان من التطعيم على نسبة الأشخاص الذين يتلقون لقاح الإنفلونزا في موسم معين ومدى فعالية - أو تطابق اللقاح جيدا - ضد سلالات الإنفلونزا المنتشرة.
وبالنظر إلى الانتشار المحدود للإنفلونزا في عموم سكان الولايات المتحدة العام الماضي، يشير البحث إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تشهد وباء كبيرا للإنفلونزا هذا الموسم. وبالاقتران مع التهديد الحالي لمتغير "دلتا" شديد العدوى، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيج خطير من الأمراض المعدية، أو "التوأم".
وكانت نماذج "كوفيد-19" والأمراض المعدية الأخرى في طليعة التنبؤات حول جائحة "كوفيد-19"، وغالبا ما أثبتت أنها تنبئ بالحالات والاستشفاء والوفاة.
ولكن، لا توجد أمثلة تاريخية لهذا النوع من الأوبئة المزدوجة والمتزامنة. ونتيجة لذلك، فإن الأساليب الوبائية والإحصائية التقليدية ليست مناسبة تماما لتوقع ما قد يحدث هذا الموسم. لذلك، فإن النماذج التي تدمج آليات كيفية انتشار الفيروس تكون قادرة بشكل أفضل على إجراء تنبؤات.
واستخدم الباحثون طريقتين منفصلتين للتنبؤ بالتأثير المحتمل لانخفاض حالات الإنفلونزا العام الماضي في موسم الإنفلونزا 2021-2022 الحالي.
وفي البحث الأخير الذي لم يُراجع بعد من قبل الأقران، طبقنا نظاما للنمذجة يحاكي تفاعلات السكان الفعلية في المنزل والعمل وفي المدرسة وفي محيط الحي. ويتنبأ هذا النموذج بأن الولايات المتحدة قد تشهد ارتفاعا كبيرا في حالات الإنفلونزا هذا الموسم.
وفي دراسة أولية أخرى، استخدمنا أداة تقليدية لنمذجة الأمراض المعدية التي تقسم السكان إلى أشخاص معرضين للإصابة، ومصابين ومتعافين وأشخاص نقلوا إلى المستشفى أو ماتوا.
واستنادا إلى النموذج الرياضي، نتوقع أن الولايات المتحدة يمكن أن تشهد ما يصل إلى 102000 حالة دخول إضافية إلى المستشفى فوق مئات الآلاف التي تحدث عادة خلال موسم الإنفلونزا. وتفترض هذه الأرقام أنه لا يوجد أي تغيير عن امتصاص وفعالية لقاح الإنفلونزا المعتاد بدءا من الخريف ويستمر خلال موسم الإنفلونزا.
وعادة ما ينتج عن موسم الإنفلونزا النموذجي ما بين 30 إلى 40 مليون حالة من الأمراض المصحوبة بأعراض، وما بين 400000 و800000 حالة دخول إلى المستشفى ومن 20000 إلى 50000 حالة وفاة.
وهذا الاحتمال، مقترنا بالمعركة المستمرة ضد "كوفيد-19"، يثير احتمال تفشي وباء هائل على نظام الرعاية الصحية حيث تفيض المستشفيات ووحدات العناية المركزة في بعض أجزاء البلاد مع مرضى "كوفيد-19" المصابين بأمراض خطيرة.
وسلّط البحث أيضا الضوء على كيفية تعرض الأطفال الصغار للخطر خصوصا لأنهم يتعرضون بشكل أقل للمواسم السابقة للإنفلونزا، وبالتالي لم يطوروا بعد مناعة واسعة، مقارنة بالبالغين. وبالإضافة إلى العبء الملقى على كاهل الأطفال، تعد إنفلونزا الأطفال محركا مهما للإنفلونزا لدى كبار السن حيث ينقلها الأطفال إلى الأجداد وكبار السن الآخرين.
ومع ذلك، هناك سبب للتفاؤل، لأن سلوكيات الناس يمكن أن تغير هذه النتائج إلى حد كبير.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك