كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:
وكأنّ العدوى أصابت الامّ الحنون، فانتقل الانقسام السياسي العمودي في لبنان إلى الربوع الفرنسيّة. فالانتخابات النيابيّة الاخيرة في لبنان والتي أنتجت اصطفافاً متساوٍ بعدد المقاعد النيابيّة، إلى حدّ ما، أدت إلى تعطيل المجلس، والدليل "الفاقع" على كل ما تقدّم هو العجز منذ اكثر من عام ونصف العام على انتخاب رئيس للجمهورية... التجربة الفرنسية الحالية تبدو وكأنها مستنسخة عن تجربتنا... فمَن سيحكم فرنسا؟ وهل تصحّ مقولة إنّ "فرنسا سقطت في فخ اللبننة"؟
كما جاءت نتائج الدورة الاولى من الانتخابات صادمة مع تفوّق اليمين المتطرّف، كذلك فعلت الدورة الثانية منها حينما وزّعت المقاعد بين تحالف اليسار والخضر الذي فاز بـ182 مقعداً، و"ائتلاف الوسط" وهو معسكر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع 168 مقعدا، والتجمع الوطني، أي اليمين المتطرّف، مع 142 مقعدا.
ما تقدّم أدخلَ فرنسا في مرحلة حرجة ستجعل من تشكيل حكومة جديدة أمرًا غاية في الصعوبة، وهو ما دفع ماكرون إلى رفض استقالة رئيس حكومته غابريال أتال، والإبقاء عليه في منصبه "من أجل المحافظة على استقرار البلاد".
يؤكّد مدير مكتب صحيفة "الشرق الاوسط" في باريس ميشال ابو نجم أن ولادة الحكومة ستكون عسيرة ومن المستبعد أن تبصر النور قبل أيام أو حتى اسابيع، مذكّرا بأن فرنسا مقبلة على استحقاق عالميّ مهمّ يتمثل باستضافة الالعاب الاولمبية اعتباراً من ٢٦ تموز ولمدّة اسبوعين، تتبعها استضافة الألعاب الاولمبية لأصحاب الاحتياجات الخاصة خلال أيلول المقبل، ما يحتّم أن تبقى الحكومة الحالية لإدارة هذا الحدث الذي سيستقطبُ مئات آلاف الزوار والعشرات من قادة الدول.
ويوضح ابو نجم، في حديث لموقع mtv، أن اليسار استفاد طبعاً من الانسحابات المتبادلة، غير أن اكثر المستفيدين كان "ائتلاف الوسط" أي معسكر ماكرون، فصحيح أن عدد نوابه تراجع من 245 نائبا إلى 156، غير انه حافظ على نواة صلبة ستبقيه لاعبا أساسيا في المعركة المقبلة الخاصة بتشكيل تحالف حكومي، لان أيا من المجموعات الثلاث لا يملك غالبية مطلقة، كما ان التفاهم مع اليمين المتطرّف أمر مستبعد كليا.
وينقل أبو نجم عن أوساط الإيليزيه قولها إن الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه الرئيس الفرنسي هو محاولة إحداث انشقاق داخل جبهة اليسار من خلال إبعاد الاشتراكيين والخضر عن "فرنسا الأبية"، وجذبهم للدخول إلى حكومة ائتلافية تضم وزراء من معسكره. ويتابع: "التفاهم على حكومة تجمع الأضداد يبدو أمرا عسيرا، فهو امر لم تعتد عليه فرنسا على عكس بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا، ولربما يكون المخرج الوحيد لهذه المعضلة تشكيل حكومة من التكنوقراط مع رئيس مقبول من الجميع، مع تعهّد بعدم إسقاطها في البرلمان قبل عام، يمكن من بعدها لرئيس الجمهورية ان يحلّ البرلمان ويدعو إلى انتخابات تشريعية جديدة".
مرحلة كباشٍ تخوضها فرنسا، لا بل هي أقرب إلى محاولة تعايش صعبة وغير مريحة، نحن شاهدون على مثيلاتها، سببها اختلافات فرنسية جوهرية، ومنها على سبيل المثال قانون تعديل سن التقاعد، وإمكان إعادة فرض ضريبة للثروة، وقانون الهجرة وكيفية التعامل مع حروب اوكرانيا وغزة، وصولا إلى إمكان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو من مطالب اليسار...
مطبّات سياسية كثيرة سيمرّ بها الفرنسيون، ولا يُحسدون عليها، وعزاؤنا الوحيد لهم... "شوفوا مصيبة غيركم بتهون مصيبتكم".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك