كتبت لينا فخر الدين في "الاخبار":
أكثر من عامين من الاعتكاف لم يخفّفا من حصة الرئيس سعد الحريري المحفوظة من الجمهور السني، حتى وإن قرّر «الظهور» مرة واحدة سنوياً. في فترة «التغييب»، لا يكفّ «تيّار المستقبل» عن المحاولة؛ انتخابات نقابيّة هُنا، لقاءات شعبيّة هناك، وتواصل دائم مع «المفاتيح» الانتخابيّة في المناطق، ومتابعات حثيثة للمنسّقين... وكلّ هذا من «عرق جبين» الأمين العام لـ«التيّار الأزرق» الذي يُلبي الإشارات الآتية من أبو ظبي، مع اجتهادات طفيفة.
في اعتقاد «الحريريين» أنّ الاعتكاف لن يطول كثيراً. بعدما بدأوا حملة بعنوان «تعوا ننزل تيرجع» في شباط الماضي، بدأوا يشيعون أن عودة رئيس «التيّار» صارت مرجّحة عام 2025. لا يملك هؤلاء دليلاً ملموساً، ولا يُراهنون على فك القيود السعوديّة، لكنهم يربطون العودة بتسوية تعيد إنتاج الحكم الذي لن يقوم من دون الضلع السني، وممثله الأبرز سعد الحريري، ولو «من بعيد لبعيد» في مرحلة أولى، قبل أن يعود إلى ممارسة العمل السياسي. وهذه العودة تعني حُكماً الاستعداد للانتخابات النيابيّة المقبلة عام 2026، أو ربما حتّى الذهاب إلى انتخابات مبكرة في حال رست التسوية على ذلك.
لذلك، وفي إطار التمهيد للعودة، بدأت شخصيّات قياديّة تستعدّ للترشّح، وانعقد المكتب التنفيذي لـ«التيار» منذ نحو أسبوعين بعيداً عن الإعلام، بعد سنواتٍ من توقّف هذه الاجتماعات. وفي هذا السياق أيضاً، توحي زيارات أحمد الحريري إلى المناطق بأنّها لتحضير أرضيّة العودة شعبياً وسياسياً، وإعادة وصل ما انقطع مع «الجمهور الأزرق»، علماً أنه بدأها منذ أشهر قبل أن يجمّدها أخيراً إلى ما بعد انتهاء جولات رجل الأعمال بهاء الحريري، بفعل قرار من رئيس «التيّار» الذي طلب عدم القيام بأي ردّة فعل على الزيارة، مقتنعاً بأنّها ستفشل «من دون جميلة حدا».
وخارج التيار، تمكن أحمد الحريري من ترميم «العلاقات السنيّة - السنيّة»، حتّى مع الخصوم - الصقور، كما هي الحال مع النائب جهاد الصمد، من دون أن يترك النواب الجدد «يغرّدون خارج سربه»، إذ يتابعهم بعناية حتى باتوا كأنّهم في كتلة «المستقبل». وبالتوازي، يضع على جدول أعماله ترتيب العلاقات مع القوى المسيحيّة الوسطيّة البعيدة عن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، والتي لطالما كانت محسوبة على «الحريرية السياسية».
كلّ هذه الإشارات توحي باقتناع في أوساط «المستقبل» بعودة قريبة لرئيسه، وإن كان المراقبون يؤكدون أن «القرار مربوط بظروف سعد»، بغضّ النظر عن حركة ابن عمّته، أو بعودة شقيقه لإطلاق تيّاره السياسي تحت اسم «المسار»، وإمكانيّة خوْضه الانتخابات النيابيّة، وما يتردد عن قراره بالاستقرار في بيروت لمزاولة نشاطه السياسي، وهو سيجعل المشهد، في حال عودة سعد، «سوريالياً» إلى حد بعيدإ إذ إن تنافس الشقيقين على الأرض والجمهور سيعني حتماً مزيداً من الشرذمة في الشّارع السني، وحرباً مفتوحة بين نجلَي رفيق الحريري، إلا في حال اقتناع بهاء بالانسحاب أمام الصعوبات الكثيرة التي تعترض طريق عمله السياسي، أو «تسليم» الثاني بإعادة «إرث الزعامة» إلى شقيقه الأكبر، فيما يؤكد العارفون أن الخيارين من «المستحيلات».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك