أبطل النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، قرار سلفه القاضي غسان عويدات الذي اتخذه قبل أكثر من عامين، ويقضي بإيقاف أي تعاون مع المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. وكان القرار جاء على خلفية ادعاء البيطار على عويدات وعدد من القضاة بملفّ تفجير مرفأ بيروت، وإصرار البيطار على استئناف التحقيق على رغم عشرات الدعاوى المقامة ضدّه.
وشكّل قرار الحجار تحوّلاً في مسار هذا الملفّ، وأحدث صدمة في الأوساط السياسية والقضائية، التي تتخوّف أن يقود ذلك إلى أن يستأنف البيطار إصدار مذكرات التوقيف الوجاهية والغيابية بحق المدعى عليهم، خصوصاً وأن شهري آذار الحالي ونيسان المقبل، سيشهدان جلسات تحقيق مخصصة لاستجواب القادة الأمنيين وعدد من السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة السابق حسّان دياب.
وما إن تسرّب خبر استئناف التعاون بين النائب العام التمييزي والمحقق العدلي، تحوّل قصر العدل في بيروت إلى ما يشبه «خليّة نحل»، فبدأ يقصده محامون يمثلون أهالي الضحايا والمصابين، وأيضاً عدد من وكلاء المدعى عليهم السياسيين، وذلك للتثبّت من صحّة القرار وتحديد كيفية التعامل معه في الأيام المقبلة.
وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن النائب العام التمييزي جمال الحجار «حسم أمره باستئناف التعاون مع البيطار، والعودة إلى تسلّم كافة المذكرات التي تصدر عنه، بما فيها مذكرات تبليغ المدعى عليهم مواعيد جلسات استجوابهم والدفوع الشكلية لإبداء الرأي القانوني بشأنها، وتسلّم الاستنابات التي تصدر عن المحقق العدلي الموجهة إلى الضابطة العدلية، وكذلك إيداع البيطار الأجوبة التي وردتها عن استنابات كان سطرها المحقق العدلي قبل وقف التعاون معه».
تحولات العهد الجديد
انطوى قرار الحجار على تفسيرات مختلفة، إذ ربط بعض وكلاء الدفاع عن السياسيين هذا التطوّر بـ«الضغوط السياسية الهائلة التي تعرّض لها الحجار، وبالتحولات التي يشهدها لبنان بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة وتقلّص نفوذ (حزب الله) إلى حدّ كبير».
وفي حين رفض المصدر القضائي التعليق على هذا الاستنتاج، أشار إلى أن الحجار «بقي طيلة سنة كاملة منذ توليه مسؤولية النيابة العامة التمييزية (منتصف شهر فبراير/شباط 2024) ينصح البيطار بأن يُخرِج السياسيين من الملفّ لأن صلاحية محاكمتهم تعود للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء (في المجلس النيابي)، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القضاة المدعى عليهم، حيث ينصّ القانون على آلية قضائية خاصة بمحاكمتهم». وقال: «لم يتمكن الحجار من تغيير شيء في قناعات البيطار الذي أصرّ على بقاء الملفّ متكاملاً ودون أي تجزئة، وبالتالي بات مضطراً (الحجار) أن يستأنف التعاون معه كي لا يتهم بأنه شريك في تعطيل التحقيق، وكشف الحقيقة في أكبر جريمة شهدها لبنان في تاريخه».
وسبقت هذا القرار المفاجئ اجتماعات متعددة عقدت في قصر العدل ووزارة العدل، ضمّت الحجار والبيطار مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وبعضها مع وزير العدل عادل نصّار، وكلّها تمحورت حول إيجاد صيغة تسمح بعودة التعاون ما بين المحقق العدلي والنيابة العامة التمييزية، وأمل المصدر القضائي في أن «تسرّع الحكومة الجديدة إجراء التعيينات في مجلس القضاء الأعلى ليكتمل عقد الأخير، ويصبح قادراً على إجراء تشكيلات قضائية واسعة».
وقال: «مع إنجاز التشكيلات وتعيين رؤساء أصيلين لمحاكم التمييز يكتمل عندها نصاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز، ويصبح بإمكان هذه الهيئة وأيضاً محاكمة التمييز البتّ بدعاوى المخاصمة ودعاوى الردّ المقامة ضدّ البيطار، ويمكن حينها اتخاذ قرار بالدعوى التي أقامها النائب العام التمييزي السابق (غسان عويدات) ضدّ البيطار بجرم انتحال صفة محقق عدلي واغتصاب سلطة». وأمل المصدر أن «يجري البتّ بكل هذه الدعاوى قبل صدور القرار الظني في مكلفّ المرفأ».
43 دعوى ضد المحقق العدلي
كان القاضي البيطار، وبعد توقّفه قسراً عن التحقيق لمدى 13 شهراً نتيجة 43 دعوى مقامة ضدّه، أعدّ دراسة قانونية أواخر شهر يناير (كانون الثاني) 2022 استند فيها إلى اجتهاد قانوني لرئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق القاضي فيليب خير الله الذي «رفض دعوى رّد عدد من أعضاء المجلس العدلي، لأن قضاة المجلس لا يمكن ردّهم». واعتبر البيطار أن المحقق العدلي هو جزء من هيكلية المجلس العدلي، ولا يمكن ردّه، وبالتالي كلّ دعاوى الرد والمخاصمة القائمة ضدّه باطلة لا قيمة لها. وقرر يومها استئناف التحقيق وإصدار لائحة ادعاء جديدة، ضمّنها اسم القاضي عويدات والمحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري وآخرين، وقد سارع عويدات حينها إلى الادعاء على البيطار بصفة «انتحال صفة محقق عدلي»، كما أصدر مذكرة إحضار بحقه، وقراراً بمنع السفر لا يزال سارياً، كما عمد عويدات فوراً إلى إطلاق سراح جميع الموقوفين بملفّ المرفأ دفعة واحدة، وعددهم 17 شخصاً في قرار غير مسبوق وتحدّ واضح للبيطار وإجراءاته.
ومن المقرر أن يعقد المحقق العدلي جلسة تحقيق يوم الجمعة المقبل، آخر المدعى عليهم الجدد، وهو ضابط بالأمن العام اللبناني برتبة عميد، على أن يحدد مواعيد لاستجواب القادة الأمنيين، بمن فيهم مدير عام الدولة اللواء طوني صليبا، والمدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، وعدد من ضباط الجيش المتقاعدين، على أن يختتم التحقيق باستجواب السياسيين المدعى عليهم بالملفّ.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك