لا شكّ أن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان في العام 2019 شكّلت نقطة تحوّل بالنسبة إلى قطاع العقارات. منذ ذلك الحين، يواجه هذا القطاع تحديات جمّة، وتبقى ركيزته الأساسية التي تبقيه حيّاً اليوم التفاؤل بالنهوض.
شهد القطاع العقاري في لبنان خلال السّنوات الماضية تحوّلات كبيرة، حيث مرّ بمراحل مختلفة. وبعدما كان سائداً شراء العقارات باستخدام الشيكات المصرفية، أتت الأزمة الاقتصادية في العام 2019 لتخفّض أسعار العقارات بشكل ملحوظ، حيث تراجعت في بعض الأحيان إلى حدود 50%. ووفقاً لنقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى، كان لهذا الانخفاض تأثيرٌ كبيرٌ على السّوق العقارية، حيث أدّى إلى تراجع قيمة الاستثمارات العقارية وتخوّف المستثمرين. ولاحقاً عادت الأسعار إلى الارتفاع تدريجياً بفارق بسيط يتراوح ما بين 20 و 30% عمّا كانت قبل العام 2019. وبعد كل هذه الـ "الطلعات والنزلات" التي مرّت بها السوق العقارية, وبعد بدء تحسن الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان، يأمل المستثمرون أن تنعكس هذه التطورات إيجاباً على سوق العقارات.
في السياق، يقول موسى، إنه "وبالرغم من بصيص الأمل الذي يسود الأجواء بعد انتخاب رئيس الجمهورية، والذي يتمحور حول انتظام شؤون البلاد وانتعاش الاقتصاد، فإن هذا التفاؤل وحده لا يكفي في ظل غياب القطاع المصرفي عن المشهد". ويرى أن "أولى أولويات الحكومة الجديدة يجب أن تكون إعادة هيكلة المصارف وجذب الأموال والإيداعات إليها، حتى تتمكن من جديد من تفعيل المؤسسة العامة للإسكان ومنح القروض السكنية".
ومع أنّ المناخ العام يبدو مشجعاً في الظاهر، يخشى موسى من أن هذا الارتفاع الحالي في أسعار العقارات يحصل بوتيرة سريعة للغاية، من دون أن يكون مدعوماً بركائز حسّية. فلا تزال الحلول غائبة في ما يتعلق بالمصارف والقروض المصرفية، كما أن الاستقرار الأمني لم يتحقق بشكل كامل.
وشكّلت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان "ضارّة نافعة" لبعض المستثمرين، بعد أن أفرغ الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية ما تسبّب بازدياد الطلب على البيوت في المناطق الأخرى. وهذا ما جعل أكثر المتضررين من فوضى السوق العقارية هم أبناء هذه المناطق، الذين يعانون منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية على لبنان وحتى اليوم من الاستغلال الجنوني في أسعار إيجارات وشراء الشقق.
وتعقيباً على ذلك، يشرح المحامي زياد فؤاد سلامة، أن أسعار الإيجارات انخفضت بعد الحرب، مقارنة مع فترة الحرب، بسبب تراجع الطلب عليها، حيث عاد معظم النازحين إلى منازلهم. في المقابل، ارتفعت أسعار بيع العقارات بنسبة تتراوح بين 5 و 10%، مما أدى إلى جمود في حركة السوق.
ويوضح سلامة أنه قبل الحرب وخلالها، كانت سوق العقارات تعتمد بشكل كبير على الإيجارات، حيث كان الإقبال على الشراء محدوداً. إذ أنه في تلك الفترة، كان شخص واحد فقط من بين عشرة يرغب في شراء منزل، بينما كان الآخرون يفضلون الاستئجار، وهو واقع انقلب اليوم رأساً على عقب.
بعد هذه الحرب المدمّرة، تشهد سوق العقارات في لبنان تحولات جذرية لافتة، إذ يسلّط سلامة الضوء على الزيادة الملحوظة في إقبال المواطنين الذين كانوا يقيمون في الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان على شراء منازل في المناطق التي تسلم عادة من أيدي الإجرام الإسرائيلي في الحروب، أي المناطق التي يتركز السكان غير الشيعة فيها.
وعن تأثير ذلك، يعطي سلامة مثالاً عن أن حارة حريك التي كانت ذات أغلبية مسيحية في الماضي، شهدت تحولاً ديموغرافياً لتصبح مختلطة ثم مناطق ذات أغلبية شيعية، إلا أنه وعلى كل حال يأمل سلامة في أن نصل إلى مرحلة لا يعود فيها هذا التقسيم الطائفي أمراً ذا أهمية. إذاً وباختصار، ومع بدء تحلحل الحياة السياسية في لبنان بعد مخاض طويل، جلّ ما يحتاجه القطاع العقاري اليوم هو الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي لن تتبلور قبل ظهور استقرار أمني شامل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك