يبدو أنّ تركيز صندوق النقد الدولي سيكون منصباً على وزارة الاقتصاد أكثر منه على وزارة المالية التي ستتفرّغ لمهام ضبط الإنفاق والموازنة. أما وزارة الاقتصاد فسوف تأخذ الحيّز الأكبر من اهتمام الصندوق... خصوصاً أنه يترأسها وزير تصفه أوساط الصندوق بأنّه "رجلها الأول" وستقف إلى جانبه في ورشة الإصلاح.
كثيرة هي الآمال المعقودة على حكومة الرئيس نواف سلام، وعلى قدرتها في تفعيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. لكن برغم ذلك فإنّ الخطة التي سوف تعتمدها الحكومة من أجل ذلك ما زالت مجهولة وغير معلنة: فهل ستنطلق الحكومة الحالية من حيث توقفت سابقتها قبل أكثر من سنتين، أم أنّها ستتبع نهجاً تفاوضياً جديداً مع الصندوق؟ (ذكرت الحكومة في البيان الوزاري أنها ستتفاوض على برنامج جديد مع الصندوق)
لا إجابات واضحة حتى اللحظة، ما خلا تصريحات بعض الوزراء الذين تسلّموا حقائبهم حديثاً. وتتسّم تلك التصريحات بالتروي والحذر.. وكان آخرها تصريح وزير الاقتصاد عامر البساط، الذي بدا محاولاً انتقاء مصطلحاته للإجابة على أسئلة محاوريه، توخياً منه لعدم الإفراط في إطلاق الوعود... وهو خيار صائب.
هذا من ناحية الحكومة، أمّا من ناحية صندوق النقد الدولي، فإنّ أغلب من التقى ممثلي الصندوق في بيروت وأعضاء فريق عمله بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة سلام، ينقلون أنّ وفد الصندوق مدرك تماماً لما يريده من الوزارات.
المعلومات تفيد بأنّ الصندوق يعوّل على دور وزارة الاقتصاد كثيراً ويعتبر أنّ الوزير عامر البساط، شخصية موثوقة نظراً للمنطق الاقتصادي الذي يتحلى به على حدّ وصفهم. ولهذا تفيد المعلومات بأن ثمّة فريق عمل تابعاً للصندوق سوف ينتدبه الصندوق إلى الوزارة المذكورة، وسيقوم الفريق (قوامه مندوبان) بالتنسيق مع البساط من أجل جعل عملية التفاوض "أسرع وأكثر فعالية".
أوساط صندوق النقد الدولي، وإن كانت لا تصرّح بشكل علني عمّا تتطلع إليه من الحكومة، إلاّ أنّ العارفين في خفايا الأمور يؤكدون أنّ الإنجاز الأسرع الذي ينتظره الصندوق من الحكومة هو: تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان. وبعدها سوف تكرّ سبحة الإجراءات، إذ يُنتظر أن يحضر رئيس بعثة الصندوق إرنستو راميريز إلى بيروت بعد تلك الخطوة، من أجل لقاء الرؤساء الثلاثة (عون، بري وسلام) والتعرف على الحاكم الجديد، ثم الاتفاق على موعد مع الأطراف الأربعة من أجل "إطلاق عجلة التفاوض" مع الصندوق.
وبخلاف ما أشيع أخيراً، يعتبر الصندوق أنّ ملف الودائع العالقة في المصارف هو "خارج إطار صلاحياته"، إذ يشترط في المقابل إعادة هيكلة المصارف من أجل إعادة الانتظام إلى القطاع المصرفي.
وفد الصندوق يرى أنّ الجزء الأكبر من الودائع قد تبخر، بينما تلك المتبقية اليوم (خصوصاً الصغيرة والمتوسطة منها) هي مسؤولية المصارف وهي "قادرة على إعادتها". أمّا الودائع الكبيرة، فيرى أنّه لا بدّ من البحث عن حلّ لها، يتمثّل بتحويلها إلى أسهم أو إلى قروض طويلة الأمد (بين 5 و7 سنوات)...
تعتبر أوساط الصندوق أنّ القطاع المصرفي بشكله الحالي في لبنان "مُضخّم"، بينما حجمه المنطقي والمعقول مقارنة بحجم لبنان وحجم اقتصاده، يجب ألا يتخطى الـ 12 مصرفاً. أمّا الخطوة الأهم التي يعوّل عليها صندوق النقد من حاكم المصرف المركزي العتيد فهي: الإعلان عن رغبته (رغبة المصرف المركزي) في إصدار تراخيص لمصارف أجنبية متخصصة في تمويل الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة... وهي أنواع من المصارف يؤكد أنّها منتشرة بكثافة في الدول الغربية والعربية، ويمكن لها أن تستثمر في الداخل اللبناني.
وعن العلاقة بين صندوق النقد ووزارة المالية، تكشف المعلومات أنّ الصندوق يأمل بإقرار "موازنة متوازنة"، تسعى جديّاً إلى ضبط الإنفاق، بمعزل إن كانت الموازنة تشكو من العجز. فالصندوق يعرف جيداً وضع المالية العامة كما أنّه مطلع على حجم وعيوب الاقتصاد اللبناني الحالية، ولا يتوقّع اجتراح المعجزات في وقت قياسي. ولهذا، فإن الصندوق يواصل تحفّظه على قيام المصرف المركزي بتمويل ذاك العجز في الموازنة مستقبلاً. أي أنّه يوافق على سياسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري القاضية بامتناع مصرف لبنان عن تمويل الدولة.
ببساطة، فإنّ مسؤولية وزارة المالية في عملية الاصلاح المنتظر، والتي يتطلّع إليها الصندوق، هي: ألاّ تكون وزارة المالية شريكاً بما يصفه بـ "الفوضى المالية". أو أن تكون وسيطاً يقوم بنقل تقديرات النفقات والإيرادات بشكل أعمى، ثم إدراجها في الموازنة اعتباطاً. لأنّ وزارة المالية في نظره هي "الجهة التي سوف تكون مسؤولة عن تمويل تلك الأرقام"، وبالتالي لا بدّ أن تكون "الجهة ناظمة لتلك العملية بكل أمانة"... مع تركيز الصندوق على موازنة العام 2025 التي يرى أنّها "محطة" سوف تستطيع الحكومة من خلالها إثبات أفضل سبل التعاون بين القطاعين العام والخاص من أجل إعادة الأعمار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك