اسمها: صيدلية المرتضى. والدها: "حزب الله". ووالدتها: إيران. وحالها اليوم مثل حال القرض الحسن وأخواته. لكن، ماذا استجدّ لنتذكرها؟ تعالوا نخبركم: نفوذ "حزب الله" على الحدود تضاءل. سوريا تغيّرت. والدخول منها وإليها ما عاد سائباً. والحدود الجوية - كما تعلمون - أصبحت عليها ضوابط وموانع وروادع ونهي وزجر. والصراخ الكثير الذي صدح خلال أربعة أعوام سالفة عن دواء إيراني وصيدليات إيرانية وعلاجات وآليات غير مستوفية الشروط، في ظلّ ردود صفراء من نوع "مش عاجبكم بلطوا البحر"، قد يلاقي اليوم صداه. فصيدليات المرتضى - لمن لا يعلم - باتت مثل "بيت الوقف". ومن طالبوا زمان بلا جدوى يرددون اليوم: أقوى المحاربين هما الصبر والوقت؟
الفقراء في بلادنا - وهم ليسوا قلّة - بحاجة إلى دواء وعلاج ورحمة ورأفة. وبالتالي، لا يختلف - أو بالأصح يفترض أن لا يختلف - اثنان على توفير كل ما يلزم رحمة بهؤلاء. لكن، على من كان يفترض أن يقرأ الشعب المسكين - في بلد قراره لدى زمرة - مزاميره؟ هو بلدٌ طالما كانت حدوده مشرعة، وجماركه مستباحة من فئة شرّعت سلاحها، وأسّست فيدراليتها حيث تشاء ومنعتها حيث شاءت. فئة قدمت خدمات معلنة لبيئتها على أنقاض قوانين ورخص واستيفاء شروط وحسابات خفية.
اليوم، في فيدرالية "حزب الله" صيدليات، باسم المرتضى، تحتضر. هناك أدوية "بلعها" المواطنون، وتحديداً من يحمل منهم بطاقة سجاد أو بطاقة نور، نعرف مصدرها ونجهل فعاليتها. هي أدوية غير مرخصة من وزارة الصحة ولا تستوفي الشروط. وقد نبت على لسان الصيادلة المرخصين شرعاً الشَعرَ وهم يطالبون: "إمنعوا صيدليات المرتضى". فووجهوا بردٍ مبرم: "يلي بيقرّب صوب صيدلية المرتضى منكسرلو إجريه وإيديه".
الشيعة يستفيدون والشيعة يعترضون
42 صيدلانياً طلبوا في عريضة وقعوها قبل عامين: إغلاق فروع صيدلية المرتضى، أكثر من سبعين في المئة منهم من الشيعة المرخصين. لكن، كما العادة، وصف هؤلاء بالتجار الذين يريدون "شرب دماء الناس" والتلذذ بها. ويومها قال السيد حسن نصرالله: "نستورد الدواء الإيراني وبلطوا البحر واللي بيقول عنو سمّ ما ياخد منو".
قتل السيد حسن. اغتيل. والطائرات الإيرانية ممنوعة اليوم من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي. والحدود مع سوريا مغلقة أمام نشاطات "حزب الله" وإيران. فكيف ستؤمن الأدوية الإيرانية إلى صيدليات المرتضى وسواها من صيدليات إيرانية في لبنان؟ هذا لبّ السؤال اليوم. وهذا أحد أسباب إصرار "حزب الله" على الحصول على وزارة الصحة تكراراً في لبنان. فالمستشفيات المحسوبة عليه كانت تنال حصة الأسد من السقوف المالية المخصصة للقطاع الاستشفائي. مثلاً، حصة مستشفى الرسول الأعظم، بحسب أحد المعنيين في وزارة الصحة، كانت دائماً محظية على نقيض حصص الجامعة الأميركية ومستشفيَي الروم وأوتيل ديو على سبيل المثال لا الحصر. مؤسسة الجرحى ومؤسسة الشهيد في "حزب الله" بالكاد تتمكنان حالياً من توفير خدمات "حزب الله" الصحية إلى "البيئة" والمستوصفات بحاجة إلى دعم - لا بل إلى تمييز في الدعم - ولوزير الصحة الشيعي "الحزبلاهي" دور بالطبع في توفير هذا الدعم.
الوعد والرهان
ماذا يعني هذا؟ معناه، في اختصار، أن "حزب الله" قدّم لبيئته - كما يقول من يتبعونه - ما لم يقدمه سواه. لكن، هل فعل ذلك من جيبه؟ من ماله وإرثه؟ أم على حساب بقية بيئات لبنان؟ "حزب الله" لم يبالِ لا بدولة ولا بقوانين ولا بمعايير وفعل في كلِ مرة ما أراد ودائماً قال لأولاد بيئته: هذا وعدي لكم. فاعتادت تلك البيئة على بطاقة سجاد وبطاقة نور ودواء صيدلية المرتضى وقرض قيل إنه حسن. وهذا لها نعيم. والاتكال على هذه البيئة اليوم للانتفاض على بناة الدولة. الدولة ستسحب منها امتيازات لم تعشها بيئات أخرى، وهذا، في مفهومها، غير مقبول.
وزيرا "حزب الله" في الصحة جميل جبق وحمد حسن - تتذكرونهما - هما كانا يقولان أشياء ويفعلان أشياء. وفي مراجعة أرشيفهما دلالة على الأسلوب المتبع في تمييز مستشفيات على حساب مستشفيات. في نقابة الصيادلة اليوم، إصرار على عدم الدخول مجدداً في "مغليطة" صيدلية المرتضى مع التأكيد أن عددها "بالعشرات في كلِ المناطق". وهي بدأت تقتحم سوق الدواء اللبنانية أيام جميل جبق وتتابع انتشارها أيام حمد حسن. هما سمحا للأدوية الإيرانية بالدخول إلى لبنان على أن تباع حصراً في مراكز "حزب الله" المسماة "الصيدلية الإيرانية" من دون أن تكون مستوفية الشروط. ومعلوم أن أي دواء يفترض أن ينال ترخيصاً من وزارة الصحة. لكن، حين يكون متجاوز القانون على رأس وزارة الصحة يصبح كل شيء مباحاً.
دخلت الأدوية الإيرانية. دخل 120 دواء إيرانياً إلى لبنان. كثيرون تكلموا معترضين لكن قيل عنهم هؤلاء "ينبحون" وما نريد يتمّ. وتمّ الأمر. لا بل أصبح كل من في حوزته بطاقة "سجاد"، إبتداءً من 29 أيار 2023، قادراً على الاستفادة من صيدلية المرتضى "والله ولي التوفيق". هذا كان حكم من ظنّ نفسه الأقوى.
الـ "ديبّو" تقلّص
اليوم، الصيدليات الإيرانية بدأت تفتقد لأدوية إيرانية. الحدود باتت تضيق على "الحزب الأصفر". وسوق الدواء الإيرانية التي كانت تستفيد من سوق الدواء اللبنانية بدأت تتقلص. وهذا غير مستحبّ لدى "الحزب". هناك من سيستفيدون في المرحلة المقبلة من إثارة نقمة أولاد البيئة نفسها بحجة أن الدولة اللبنانية تقفل عليهم "حبة الدواء رحيق الصحة" لكن هل في دواء إيران شفاء؟ فلنترك السوريين، الذين غمرتهم الأدوية الإيرانية أيضاً لعقدٍ من الزمن، يجيبون "تسببت الأدوية الإيرانية عديمة الفعالية ومنخفضة الجودة بمخاطر جمة على حياة مرضى القلب والأوعية الدموية. وما حصل هناك، بحسب أحد السوريين العاملين في الصحة، أن الشركات الإيرانية استحوذت على قطاع التصنيع الدوائي في سوريا، واستحوذت على مقر أكبر معمل للدواء في الغوطة الشرقية. كما أبرمت اتفاقيات مع سوريا، بالقوة، مع نظام ضعيف واقتصاد متهالك، تتضمن إنشاء معمل حليب أطفال ومعمل أدوية لأمراض السرطان". وما حصل في سوريا كان يراد أن يتم في لبنان، في كل لبنان، وليس فقط من خلال صيدلية المرتضى. لكن أصوات الصيادلة في لبنان كانت أقوى.
ماذا بعد؟ اتصلنا بعدد من صيدليات المرتضى في لبنان بحثاً عن أدوية غير أن الجواب كان "ليس متوفراً حالياً". المستودعات بدأت تفرغ والرهان على الاستيراد من جديد فهل يتم تسهيل الموضوع مجدداً؟ الصيادلة المرخصون، الذين يبيعون أدوية مستوفاة الشروط ومرخصة، يخشون أن تتلكأ الدولة اللبنانية مجدداً وتنصاع إلى من قال لهم ذات يوم "بلطوا البحر". والأيام المقبلة ستكون حاسمة في هذا الاتجاه.
في الضاحية الجنوبية يتحدثون عن شاب، قتل في الحرب الأخيرة، كان يتصل بمن يطلب دواء ويقول له: "لاقيني جنب الصيدلية الإيرانية". يعطيه الدواء ومعه بطاقة نور. ويلف كل بطاقة بفاتورة مدفوعة. بيئة "حزب الله"، المعوزون في هذه البيئة، سيجدون أنفسهم بالطبع محاصرين أمام أدوية باهظة وتقديمات تتلاشى. هنا دور الدولة اللبنانية بقطاعها الصحي كله أن تملأ الفراغ ليس في الضاحية الجنوبية وحدها بل في كل لبنان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك