لم يكن مستغربا كلام رئيس الحكومة الأسبق «سعد الحريري» عن خارطة طريق لبنانية جديدة عنوانها لبنان أولاً. وإذا «كل شيء في وقته حلو» كما يردّد الشيخ سعد فإنّ المحطة الأولى من أول شيء هي عودة التيار الأزرق الى الساحة السياسية من بوابة رافعته الشعبية التي تدلّ بشكل لا يدع للشك مكانا بأن «سعد الحريري» لا زال يشكّل رقماً صعباً ومتقدّماً داخل الطائفة السنية الكريمة، بالإضافة إلى كونه أحد أقطاب المعادلة الجديدة التي يبنى عليها لبنان.
إذاً عاد رئيس تيار المستقبل «سعد الحريري» وفقا للتوقعات في الذكرى السنوية العشرين لاغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق «رفيق الحريري». ولم يكن مطلوبا من الحريري أكثر من ذلك هو إعادة عجلات التيار إلى الطريق الذي تاق إليه جمهوره ومناصريه، فالمهرجان الذي نظّمه التيار الأزرق تحت عنوان «بالعشرين عالساحة راجعين»، لم يكن مطلوباً أن يعلن عبره العودة الفورية للعمل السياسي وبالتالي البقاء في لبنان، وفتح طريق وأبواب «بيت الوسط»، وهي خطوة حسبما يقول المتابعون مؤجّلة إلى حين، وربما إلى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، بحيث يعود الرجل على أساس برنامج يتماهى مع خطابه الذي فتح من خلاله النوافذ على جميع اللبنانيين دون استثناء بمن فيهم «حزب الله» الذي اعتبر شهدائه شهداء الوطن وكانت هذه ضربة معلم قام بها الحريري ليوحي للجميع ان مرحلة لبنان الجديد تتطلب نفساً وسلوكاً سياسياً جديداً دون عوائق أو حواجز بين القوى والأطراف السياسية في لبنان.
ولعل ذلك ترجم من خلال الرسائل المباشرة التي أراد إيصالها لأكثر من جهة، في الداخل والخارج، سواء في الشكل، مع الحشود الغفيرة التي ملئت ساحة الشهداء، مكرّسة زعامة «سعد الحريري» بعدما ظن كثيرون أن الغربة القسرية حجبتها.
انطلاقا من كل هذه المعطيات المرتبطة بالعودة توقيتا بعد تطورات المنطقة لا سيما المشهد السوري وانتخاب رئيس وتشكيل حكومة في لبنان ترى الأوساط المراقبة «ان مهرجان الرابع عشر من شباط برسائله العابرة للحدود، جاء مكملا لما كان التيار قد بدأ به على مدى الأسابيع الأخيرة التي سبقت الاحتفال بالذكرى، لياتي الحريري ويكرّسه على مدى الأيام الماضية، بجولاته السياسية، وزياراته الرسمية، ما يطرح علامات استفهام، حول مرحلة ما بعد هذه الزيارة التي يقول البعض إنّها ستستمر تأكيدا لخيار العودة النهائية إلى المشهد، بعدما شكّلت كلماته خارطة طريق لذلك».
وبالتالي نجح «سعد الحريري» بتحويل مهرجان الذكرى العشرين، برسائله الواضحة، بمثابة تثبيت للعودة من حيث المبدأ، أو ربما تعليق لقرار تعليق العمل السياسي، على أن تكون العودة الفعلية والكاملة تدريجيّة، بعد نضوج ظروفها بشكل كامل، على المستويين الداخلي والخارجي، وهو ما يتطلب خريطة طريق متعددة الأبعاد، تمرُّ حتما عبر الانتخابات النيابية المفترضة العام المقبل.
لذلك يمكن الحسم بأن الرهانات التي اعتبرت «تيار المستقبل» قد ذاب في اعتكاف رئيسه قد سقطت وأن «التيار الأزرق» لا يمكن لأي جهة داخل البيت السنّي منافسته حجماً وتأثيرا وهذا مردّه إلى الإرث السياسي والاجتماعي الذي تركه الشهيد «رفيق الحريري» في قلوب محبيه والمخلصين لخطه ورؤيته رغم تآمر المتآمرين ومستغلّي غياب سعد القادم بقوة ليكمل مسيرة والده للمشاركة في بناء لبنان الدولة والمؤسسات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك