قال لي مرّة محلل سياسي محسوب على خطّ الممانعة بنبرة الواثق: "بيناتنا إنتو الإعلاميين اللّي ضدّ "حزب الله" بتزيدُوها أمرار، ما فيكن تكونو ضدّه هوّي وعم بيحارب اسرائيل!".
أجبته بهدوء: "نحن لا نتحدث إلا بالدستور، بالقوانين، وبما هو متعارف عليه في علم السياسة أينما كان. فـ"حزب الله" ليس الدولة، وليس هو من يحدد قرارات الحرب والسّلم، لا يمكنه أن يقحم لبنان كلّ مرّة في صراعات لا علاقة لنا بها".
حاول أن يرد بمثال بدا له مقنعاً، فقال: "طيّب، إذا كان عندك ولد، وراح ضرب ابن الجيران، وأنتِ بتعرفي أنه غلط يضرب ابن الجيران، لكن جاء والده وهبّط لك البيت، بتكوني مع الولد اللّي هو ابنك ولا مع ابن الجيران؟".
فما كان لي إلّا أن تساءلت وأجبته سريعاً: "بدنا نقرّر يا أستاذ، يا "حزب الله" قوّة مركعة العالم وبدّها تكبّ إسرائيل بالبحر، يا ولد وعم بيحكم البلد، وبدنا نرقّع وراه!".
اليوم، فريقٌ ممتعض من تصريحات مورغان أورتيغس، نائبة المبعوث الأميركي إلى لبنان، حينما قالت من قصر بعبدا في لبنان إن "حزب الله" مهزوم من إسرائيل، والأميركيون ممتنون لها، ولا يجب أن يكون "حزب الله" داخل الحكومة اللبنانية، وإنه لا يرهب اللبنانيين ولا يخيفها بالطبع، بل إن عهده في ترهيب اللبنانيين قد انتهى. إن عدنا لمثال الصحافي الصديق، المشكلة في الولد الذي عرّى أهله و"مجرّصن" أمام العالم. فمن خدش هذا التصريح بالنسبة له سيادة لبنان، يُسأل: أكان سيتلى هذا التصريح لو لم يحوّل "حزب الله" لبنان إلى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليميّة؟ الولايات المتّحدة الأميركية تصفّي اليوم حساباتها مع إيران، لو لم يجعل "حزب الله" لبنان أصلاً ورقة تفاوض بيد إيران أكان سيتّخذ التدخّل الأميركي هذا الشكل؟ فمن فتح الباب لهذا التدخل ومن حوّل لبنان رهينة للصراعات الأكبر منه والتي لا تمتّ إلى مصلحة دولة لبنان بأي صلة؟
حين يقال إن "حزب الله" ممنوع من دخول الحكومة، ألم يكن ذلك نتيجة مباشرة لمسار طويل من السياسات التي انتهجها "حزب الله" وحلفاؤه؟ مَن الذي وبشكل أساس، سرق وعطّل القضاء، وخرّب علاقات لبنان مع الدول الصديقة، وصدّر المخدرات، وهرّب السلاح والأموال ومنع الدّولة من احتكار السلطة؟ مَن الذي كلما تبيّن له أن هناك فرصة لبناء دولة حقيقيّة من خلال حكومة إصلاحات فعليّة، يعطل التشكيل لضمان بقاء التعطيل بيده؟
"حزب الله" لم يترك خياراً سوى إبعاده. فالعالم لم يتخذ موقفاً منه بين ليلة وضحاها، بل هو من دفع الأمور إلى هذا الحد، تماماً كما فعل في ملف انتخاب الرئيس. لم نصل إلى الجلسة رقم 13 لانتخاب رئيس الجمهورية والتي كان واضحاً خلالها التدخّل الخارجي، من عبث، هناك 12 جلسة تم تعطيلها عمداً من قبل "الثنائي"، وكل ذلك لأن المرشح لم يكن يناسب حسابات إيران وسوريا الأسد سابقاً.
والنتيجة؟ نوع من الضغوط الخارجية لفرض الاستحقاقات الدستورية البديهية. فلو أن هذا الفريق وضع مصلحة لبنان أولاً منذ البداية، لما كان الخارج فرض انتخاب رئيس!
أخيراً، ما قالته أورتيغس ليس بجديد. قبلها، قاله آموس هوكستين وغيره من الموفدين الدوليين. واتفاق وقف إطلاق النار أو اتّفاق "استسلام حزب الله بوضوح" والذي قبل به "الثنائي" أكبر دليل على ذلك. الفرق الوحيد أن ما كان يقال سابقاً داخل الغرف المغلقة على شكل نصائح حبيّة، أصبح اليوم على شكل رسائل مباشرة وصريحة، مع الإدارة الأميركية الجديدة، فالمقاربة في التعبير مختلفة بين الديمقراطيين والجمهوريين، خصوصاً مع رئيس مثل دونالد ترامب، الذي لا يخفي أي شيء ولا يتعامل بسياسة تدوير الزوايا.
المجتمع الدولي، من واشنطن إلى باريس مروراً بالعواصم العربية، لطالما قال لكم: "نفّذوا الإصلاحات، أوقفوا الفساد، لا تجعلوا لبنان رهينة لمشاريع إيران العسكرية". لم تسمعوا.
النصائح الحبيّة لم تكن حصراً من الخارج، فلطالما قال لكم الداخل اللبناني بسياسييه، وإعلامييه، وفنانيه ورجال الدين فيه: "عودوا إلى الدولة، التزموا الدستور، لا تأخذوا لبنان إلى حيث لا يريد الذهاب". عاندتم، كابرتم لا بل قتلتم من خالفكم الرأي، ولم تتركوا صاحباً لكم.
ما تشعرون به اليوم على أنه "انتهاك للسيادة" ليس إلا النتيجة الطبيعية لتجاهلكم المستمر للتحذيرات السابقة، ولخرقكم السيادة مراراً وتكراراً. إذا كان "حزب الله" يصرّ على لعب دور "الولد" الذي لا يُسأل ولا يُحاسب فليقبل أن يُعامل كطفل مشاغب لا يمكنه حكم بلد. أما إذا كان يعتبر نفسه حاكماً قوياً فليتحمّل مسؤوليّة ما أوصل إليه لبنان، بدلاً من البكاء على السيادة التي كان أوّل من انتهكها، وليعتذر وليبتعد عن الصورة قليلاً ولا يعود اليها الّا بعد تغيير مشروعه وأهدافه للبنان.
ولد "حاكم البلد ومجرّص أهله قدّام العالم"...
الــــــســــــابــــــق
-
معلومات mtv: الاتفاق تمّ على الوزير الشيعي الخامس وهو رائد شرف الدين
-
"هآرتس" عن مصدر إسرائيلي: إسرائيل ستنسحب من محور فيلادلفيا والمنطقة العازلة في قطاع غزة فقط إذا وافقت "حماس" على نفي قادتها
-
"تايمز أوف إسرائيل": من المرجح أن يتوجّه فريق التفاوض الإسرائيلي إلى الدوحة السبت لإجراء محادثات بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة
-
قاض أميركي يأمر بوضع موظفي الوكالة الأميركية للتنمية في إجازة إدارية حتى 14 شباط
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك