كتبت مريم سيف الدين في "نداء الوطن":
كان من المفترض أن تشكل نتائج الحرب التي بدأها "حزب اللّه"، وأصرّ على عدم التراجع عنها، إلّا مكرهاً رغم اتضاح مآلاتها، عبرةً ليتنازل عن عنجهيته تجاه اللبنانيين وأن تدفعه ليبني خطاباً جديداً أكثر عقلانية وأقل استعداءً للآخرين. بدل ذلك يمضي "الحزب" في خطابات المكابرة والتضليل والتنصّل من مسؤولياته. وبين محاولة إعادة تعريف معنى "انتصار" لإنكار الهزيمة، والتنصّل من دعم نظام بشار الأسد المخلوع، ومحاولة التقرّب من القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، وتحميل الجيش والحكومة مسؤولية التوغّل الإسرائيلي في الجنوب، خطابات يروّج لها "الحزب" في محاولة للاستمرار في نهجه القديم، لكنها خطابات تعكس حال الإرباك التي لم يخرج منها بعد.
منذ توقيعه اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، يحاول "حزب اللّه" جاهداً أن يلبس الدولة اللبنانية والجيش اللبناني المسؤولية عن خياراته العسكرية الكارثية والهزيمة التي لحقت به. كما يحاول تحميل الدولة المسؤولية عن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لم يوقّع معها فعلياً، بل عقده هو مع إسرائيل من دون أن يطلع النوّاب والوزراء على تفاصيله أو أن يكون لهم أي رأي فيه.
مع توغّل الجيش الإسرائيلي في وادي الحجير، الخميس الفائت، وأمام عجز "حزب اللّه" عن ردع التقدّم خشية تجدد إطلاق النار، حاول "الحزب" استنهاض الخطاب الذي يرمي مسؤولية التوغّل على الجيش اللبناني. علماً أنه وحتى قبل موافقة "الحزب" على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لم يصارح اللبنانيين بتفاصيله، نُشرت في الإعلام معلومات تتحدث عن منح إسرائيل حرية الحركة ضمن ورقة ضمانات قدّمتها لها الولايات المتحدة، كي توافق على الاتفاق. وبالتالي هذا السيناريو كان أكثر من متوقع ومطروح لحظة توقيع الاتفاق، فلمَ استهداف الجيش في هذه المرحلة الحسّاسة؟
المفارقة أنّ من ينتقد الدولة نواب ووزراء في "الحزب" الذي شكل الحكومة ويمسك بقراراتها. أحد هؤلاء وزير العمل مصطفى بيرم الذي لم يستنتج من كل الدمار الذي تسبّبت فيه "مقاومة حزب اللّه"، سوى أن "الخيار والحل الوحيد فقط وفقط المقاومة وفشل ذريع لكلّ الحلول الأخرى". هي محاولة للتحايل على ذاكرة اللبنانيين قبل حتى مضيّ شهر على وقف الحرب التي أثبتت فشل خيارات "الحزب".
خطاب آخر يروّج له "الحزب"، يحاول جاهداً إقناع جمهوره بأنه انتصر. بعد تلمّسه عدم اقتناع الجمهور بإعلان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم "الانتصار"، استرسلت أبواق "الحزب" بإعادة تعريف معنى الانتصار. فتارة يخرج أحدهم ليقول إن "الانتصار يعني وقوف اللّه إلى جانبنا وبالتالي انتصرنا"، وطوراً يخرج شقيق نائب (حبيب فياض) بمعادلة يُستخلص منها أن من مني بخسارات هائلة انتصر ومن يمنى بربح هائل هزم. على سخافتها، تبيّن هذه المعادلات مأزق الحزب وسعيه الدؤوب لإقناع جمهوره بأنه انتصر ولو تطلّب نشر طروحات سخيفة.
التنصّل من شراكة الأسد
لم يستوعب "حزب اللّه" بعد الضربات المتتالية التي تلقّاها. إحدى الضربات الصادمة تمثلت بسقوط نظام حليفه بشار الأسد. بعد السقوط، بعث "الحزب" رسائل في محاولة لفتح باب للتواصل مع السلطة الجديدة في سوريا. بدأت الرسائل بخطاب الشيخ نعيم قاسم الذي قال "إن النظام سقط على يد قوى جديدة لا يمكننا الحكم عليها". على الرغم من أنها قوى حاربها حزبه لسنوات. وانسحبت محاولة الانفتاح على أحمد الشرع على أتباع قاسم في الإعلام الذين تغيّرت فجأة لهجة بعضهم تجاهه.
وبينما فُضحت مع سقوط بشار الأسد تفاصيل جديدة عن الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، يحاول "الحزب" التنصّل من مسؤوليته عن استمرارها 13 عاماً عبر إسناد الأسد. فبدأت أدواته الإعلامية بتعميم روايات تروّج أن الأمين العام السابق لـ "حزب الله"، حسن نصرالله، حاول التواصل مع المعارضة السورية وإقناع الأسد بإيجاد حل، في محاولة لتبرئته.
تناقض لافت يقع فيه هؤلاء من خلال القول إن "الحزب" دخل سوريا من أجل تأمين خط الإمداد فقط، في مقابل محاولة التقليل من تأثير ذلك على "الحزب". إذ اعتبر قاسم خسارة الطريق تفصيلاً في عمل المقاومة. فهل واجه "حزب اللّه" لتأمين الإمداد العسكري عبر سوريا، إرادة السوريين من أجل "تفصيل"؟
في الخلاصة، يستمر "حزب اللّه" بالتعاطي مع جمهوره وكأنه لم يهزم، يحاول الاستخفاف بعقله، يُجرّعه خطابات جديدة لا تحميه من السيناريوات المحتملة ويواصل المقامرة بأرواحه، أما مصلحة البيئة الحاضنة فتتطلّب منه خطاباً مسؤولاً يعترف فيه بأخطائه ويضع مصلحتها أولوية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك