كتب العميد غازي محمود:
تسببت التطورات الجيوسياسية التي حفل بها العام 2024 بتداعيات متفاوتة على الاقتصاد العالمي، وبينما كانت المخاوف كبيرة من ارتفاع أسعار النفط والغاز أتت المفاجئة من أسعار المعدن الأصفر. فعلى الرغم من استمرار الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة وسوريا، واليمن بعد تهديد الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر ومساندتهم المقاومة في غزة، وعلى الرغم من الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، ظلت تقلبات أسعار النفط والغاز ضمن هوامش ضيقة.
وفي حين غالباً ما تتسبب الأزمات أو التوترات السياسية بقفزات في اسعار النفط والغاز، فقد بينت الاحداث التي تشهدها الساحة الدولية عدم استجابة أسعارهما مؤخراً للتطورات الجيوسياسية. وبعد أن بلغت أسعار النفط عتبة الـ 140 دولاراً للبرميل مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية مطلع العام 2022، استقرت الأسعار نسبياً عند مستويات لم تتخطَ الـ 80 دولار للبرميل، على الرغم من ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين الذي تسبب به تحويل مسار السفن عن البحر الأحمر الذي يمر عبره قُرابة الـ 12 في المئة من التجارة العالمية، بالإضافة الى الانقطاعات المتكررة لصادرات النفط الليبي.
وتجدر الإشارة الى أنه كان لسلسلة تخفيضات الإنتاج الطوعية التي أقرتها "أوبك بلاس" منذ العام 2022، الدور الأساسي في استقرار أسعار النفط في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي. علماً أن سعر خام برنت كان قد ارتفع أكثر من دولارين مع بداية الحرب على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بسبب المخاوف من احتمال انقطاع صادرات المنطقة، ليعود ويخسر اكثر من نصف ما كسبه في وقت لاحق رغم استمرار تصاعد التوترات الجيوسياسية واتساع رقعة المواجهات العسكرية.
كما ساهم في استقرار أسعار النفط كل من ارتفاع مخزون الخام الأميركي، ووفرة المعروض من الدول المنتجة من خارج منظمة أوبك، بالإضافة الى ارتفاع المخزون لدى الدول المنتجة والتوقعات بوجود فائض من دول أوبك نفسها. كما تحافظ أسعار النفط على استقرارها، على الرغم من تشديد العقوبات الأميركية في نيسان/ابريل، على النفط الإيراني الذي تشتريه الصين عن طريق دولٍ ثالثة. فيما من المتوقع أن تنخفض أسعار النفط في العام 2025، مع ما يعنيه ذلك من استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي.
في المقابل ومع اقتراب العام 2025، تجاوز سعر أونصة الذهب عتبة الـ 2700 دولاراً، لتبلغ نسبة ارتفاعه 38% في العام 2024، بحسب مجلة إيكونوميست البريطانية. وفي وقتٍ تقترب عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير المقبل، ومع التحولات المحتملة والمرتقبة على الساحة الدولية، يبرز دور المعدن الأصفر كمحور للاقتصاد العالمي وموضع اهتمام المستثمرين، في ظل حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي المتزايدة.
الامر الذي أدى الى زيادة ملحوظة في اهتمام المستهلكين والمستثمرين بالمعدن الأصفر كملاذ آمن، سيما وانه يوفر حماية فعالة ضد التضخم ويعتبر وسيلة تنويع إستراتيجية للمحافظ الاستثمارية واداة لتقليل المخاطر المالية. ويأتي هذا الاهتمام بعد أن قد قامت المصارف المركزية بإعادة تقييم إستراتيجياتها الاحتياطية وتعزيز احتياطاتها من الذهب، لا سيما سنغافورة وبولندا، نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية وعدم استقرار النظام المالي العالمي. في وقت ومن المتوقع أن يستمر في المدى المنظور إقبال المصارف المركزية على الوتيرة عينها في شراء الذهب.
وتجدر الإشارة الى أن الذهب كان، قد حافظ على سعر وسطي وقدره 400 دولار للأونصة (للأوقية) لفترة طويلة امتدت من كانون الثاني/يناير 1975 إلى شباط/فبراير 2005، علماً أن هذه الفترة لم تخلُ من التقلبات في سعر الذهب بين ارتفاع وانخفاض، وذلك بين عامي 1979 و1980، حين وصل سعر الذهب إلى نحو 820 دولاراً للأونصة، ليعود بعد كل مرة إلى متوسط السعر المشار اليه أعلاه. وقد تزامن هذا الارتفاع مع ارتفاع أسعار النفط الخام، وما أعقبه من تضخم خلال الفترة نفسها.
أما الفترة الممتدة من شباط/فبراير 2005 إلى آب/أغسطس 2011، وخاصةً الفترة بين عامي 2005 و2008 حين ازدهرت أسعار السلع الأساسية مع ازدياد طلب الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند وزيادة اهتمام المستثمرين بالسلع الأساسية، فقد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في سعر الأونصة الذي قفز من 400 دولار إلى 1880 دولاراً. ليعود وينخفض السعر خلال النصف الثاني من العام 2008 جراء الأزمة المالية العالمية، والتي بدأت مع ما عُرف بأزمة الرهن العقاري التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية في ذلك العام.
وعاد سعر الذهب لينخفض من جديد بعدما بلغ ذروته في آب/أغسطس 2011، حيث انخفض في كانون الأول/ديسمبر 2015 من 1855 دولاراً للأونصة إلى 1050 دولاراً، فيما ارتفع السعر في العام 2016 ليستقر عند متوسط بلغ نحو 1200 دولار حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2018. وفي العام 2020 عاود سعر الذهب ارتفاعه قافزاً الى قُرابة الـ 1620 دولاراً للأونصة، وذلك من دون أن يتجاوز أعلى مستوى كان قد بلغه في آب/أغسطس من العام 2011. أما اليوم فيبدو أن الذهب تخطى كل التوقعات منذ شباط من العام 2022، بعد أن كان السعر 1720 دولاراً في مطلع العام عينه.
في المقابل، وفي ظل تصاعد المخاوف بشأن التضخم والتوترات الجيوسياسية، من المتوقع أن يستمر إقبال المصارف المركزية والمستثمرين على شراء الذهب، ومن المتوقع بالتالي أن يتواصل ارتفاع أسعاره، مما يعزز من مكانته كملاذٍ آمن ويؤكد دوره كأحد الأصول الاستثمارية الأكثر موثوقية.
أما تقلبات سعر النفط والغاز، فمن المتوقع أن تبقى ضمن هوامش ضيقة ما دام تباطؤ الاقتصاد العالمي مستمر، والذي يزيد من وتيرته تباطؤ اقتصادات الدول المنتجة التي تتراجع عائداتها، هذا اذا استمت الدول المنتجة بتخفيض انتاجها للحؤول دون إغراق السوق بفائض الانتاج. الامر الذي يدفع الاقتصاد العالمي الى الترنح بين المعدنين الأسود والأصفر.
الاقتصاد العالمي يترنح بين الذهبين الأصفر والأسود
الــــــســــــابــــــق
- بيان بعد اجتماع نواب المعارضة: العلاقات بين لبنان وسوريا يجب أن تبنى على احترام السيادة ومصلحة البلدين واستقرارهما
- نواب المعارضة: نقارب جلسة 9 كانون الثاني بجدية مطلقة والتعاطي مع الاستحقاق يجب أن يؤدي إلى انتخاب رئيس يكون مقدمة لإنقاذ لبنان
- نواب المعارضة: هذه المرحلة يجب أن تكون مرحلة بناء لبنان على أسس دستورية
- السعد: قائد الجيش هو الشخصية الأنسب لقيادة دفة الوطن
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك