تخلو الطريق الممتدة من وسط بيروت إلى منطقة الدورة على غير عادتها من السيارات عند فترة الظهيرة، وهي الفترة التي كانت ما قبل انتفاضة 17 تشرين الأول تشهد زحمة سير خانقة، لطالما اشتكى اللبنانيون منها وطالبوا بحلول جذرية لها. فإقفال عدد كبير من المؤسسات التجارية والمدارس أبوابها، كما قرار كثير من المؤسسات خفض عدد موظفيها أو تقليص ساعات عملهم، انعكس تلقائياً على أحوال الطرقات التي باتت الحركة عليها خفيفة جداً.
ويعود سيناريو الحرب ليؤرق اللبنانيين الذين تهافتوا بالمئات في الأيام الماضية لشراء الحاجيات والمؤن، ما أدى لفراغ مساحات كبيرة في المخازن التي اضطرت لاتخاذ إجراءات كتحديد عدد ربطات الخبز التي يمكن شراؤها، وكذلك أكياس الأرز، وبعض المواد الأساسية الأخرى. وكما في المخازن، كذلك في الصيدليات التي فرغ عدد منها من حليب الأطفال. ويقول أحد االلبنانيون يخزنون المؤن والأدوية ويتخوفون من عودة الحربلصيادلة في جبل لبنان إن إحدى النساء اشترت أخيراً كل عبوات الحليب من صنف معين، وأيضاً كل ما توفر من حفاضات لطفلها البالغ من العمر 8 أشهر، ما اضطره لاتخاذ قرار بتحديد عدد عبوات الحليب التي يمكن للزبون الواحد شراؤها بثلاث، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أهالي المنطقة يعيشون هاجس الحرب، ويستعدون لها، لذلك يعمد كثيرون لشراء كميات كبيرة من الأدوية خوفاً من انقطاعها.
وتخلو المجمعات التجارية التي عادة ما تزدحم في هذا الوقت من السنة، قبل عيدي الميلاد ورأس السنة، من الزبائن، ما دفع كثيراً من المحلات لإعلان تنزيلات مبكرة لم تجذب المتسوقين الذين يجدون أصلاً صعوبة في سحب أموالهم من المصارف التي لم تعد تفتح أبوابها كالمعتاد.
وإذا كان القسم الأكبر من اللبنانيين يستعد للحرب من خلال سحب ما تيسر من أمواله من المصارف، وشراء ما استطاع من حاجيات لتخزينها، فإن قسماً لا بأس به بات يتجهز لسيناريو مغادرة البلاد عند تدهور الأوضاع أمنياً. وتقول سيدة ووالدة لطفل يبلغ من العمر 3 أشهر، إنها تعمل على إصدار جواز سفر لصغيرها، و«فيزا» من السفارة الأميركية، باعتبارها وزوجها يحملان تأشيرة تسمح لهما بالمغادرة إلى الولايات المتحدة، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها لن تتردد بذلك في حال سلكت الأمور مسلكاً دراماتيكياً؛ خصوصاً أن لها أقارب في ولاية فلوريدا يمكن أن تمكث لديهم حتى عودة الأحوال إلى طبيعتها في لبنان.
وبينما يرجح مصدر سياسي في «8 آذار» احتمال الحرب وتطور الأمور أمنياً، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن وقوع حادثين أمنيين في ظرف 24 ساعة، الأول في خلدة والثاني في جل الديب، يؤشر لتطور الأمور دراماتيكياً، يستبعد رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - إنيغما» رياض قهوجي هذا الخيار كلياً، معتبراً أن الوضع الجيوسياسي الذي كان قائماً في المنطقة والعالم عشية الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 مختلف كلياً عن الوضع الحالي، أضف أنه في ذلك الوقت كانت هناك مناطق محددة محسوبة على قوى معينة تشهد حراكاً، أما اليوم فكل المناطق والبلدات اللبنانية هي ثائرة على النظام والقوى السياسية مجتمعة. ويضيف قهوجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الحرب لتقع تحتاج لطرفين مسلحين وقوتين عسكريتين، أما اليوم فالقوة الوحيدة القادرة على المواجهة هي (حزب الله)».
ويرى قهوجي أن «القوى السياسية هي التي تحاول الترويج لسيناريو الحرب لتخويف الناس، وحثهم على الخروج من الشارع، وهذه ليست إلا وسيلة جديدة للضغط بعدما استخدموا إقفال المصارف وأزمة البنزين، وغيرها من الأزمات، لتقليب الرأي العام على المتظاهرين».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك